** وبعد أن أصبحت مخزنا لأموال الناس ، ومرتعا للفارين من مشاكل الناس ، ها هي ماليزيا تنجح أخيرا في أن تطرح ذاتها معسكرا جاذبا لأبناء الناس أيضا .. ونعم مدارس القبس من مدارس البلد الخاصة ، لا خلاف في ذلك .. وكذلك أموال تلاميذها التي تصرف في معسكر ماليزيا أيضا أموال خاصة ، ما في ذلك شك .. ونعم لكل إداري بأية مدرسة ، و لكل ولي أمر تلميذ بأي مجلس آباء ، مطلق الحرية في أن يختار المكان المناسب لتلميذهما بحيث يكون معسكره الصيفي .. لهما مطلق الحرية ، فليكن المكان كوالالمبور الماليزية أو سهول البطانة السودانية ، هذا شأن يخص الإداري التربوى بالمدرسة وولي أمر التلميذ بالبيت ، ولا يخص غيرهما .. !!
** فقط لأن تلاميذ القبس هم بعض مستقبل البلد ، ثمة أسئلة تأبى إلا أن تطرح ذاتها ، ونأمل أن تتقبلها الإدارة بصدر رحب ، وهي من شاكلة : ما هي القيمة التربوية المرتجاة لهؤلاء الصغار من رحلة تستهدف دولة تختلف عن دولتنا في أشياء كثيرة ، أهمها : الثقافة واللغة ..؟..وهل الأفضل للتلميذ في هذا العمر أن يكتسب ويتشبع بثقافته ، أم يكتسب ويتشبع بثقافة الآخرين ..؟..علما بأن التلميذ المعني بمرحلة الأساس ، وليس بالثانوية أو الجامعة .. بمعنى ، هل وسائل التربية السليمة في مرحلة الأساس تقتضي تعريف التلميذ بربوع وطنه وثقافاتها وقيمها أم تقتضي الخروج به من دائرة ربوع وطنه وثقافاتها وقيمها إلي حيث ربوع أوطان الآخرين وثقافاتهم ..؟.. حسب ظني ، أن تلاميذ القبس وكل تلاميذ السودان يجب أن يعرفوا وطنهم – جغرافيا وثقافيا – قبل أي وطن ، بما فيه ماليزيا ..وصغار الخرطوم وأمدرمان وبحري – قبل سن النضج – بحاجة ماسة إلي رحلة يكتشفون فيها كردفان ، البحر الأحمر ، كسلا ، دنقلا ، نيالا ، وغيرها من الأمكنة التي يتخيلونها فقط حين تلمح أعينهم مواقعها وأسماءها علي ..« خريطة السودان » ..!!
** نعم ، الرحلة الخارجية لاكتشاف الآخر والاستفادة منه مهمة ، و أحسب أن لهذا النوع من الاكتشاف مرحلة تربوية وتعليمية ليست هي المرحلة الإبتدائية ، حيث أعمار الصغار « 6 ،، 14 سنة » ..والناشئ يجب أن يتربى أولا على حب وطنه : كما هو ..وبعد سن النضج عليه أن يحتك بالآخرين وأوطانهم ثم ينهل وينقل منهم مايفيد وطنه ، ولابأس أن يحبه بعد ذلك : كما يجب أن يكون ..ولهذا تنشط مدارس الدول الواعية في تنظيم معسكرات داخلية تجوب أرجاء تلك الدول طولا وعرضا في المراحل الأولية ، وحيث يصل صغارها سن المراحل الثانوية يمهدون لهم الطريق إلي حيث العوالم الأخرى ، ماليزيا وغيرها .. ولم أسمع بتلاميذ مرحلة أساس دولة نظمت لهم إدارتهم معسكرهم الصيفي خارج دولتهم ، ربما إدارة القبس سمعت بفعل كهذا ، فعلت .. ربما .. !!
** وبعيدا عن القبس وتلاميذها وماليزيا .. نأمل أن ترتقي مناهج التربية الوطنية في الوزارات الولائية إلي إنتهاج وسائل الرحلات الداخلية لتلاميذ الأساس في عطلاتهم الصيفية ، بحيث يعرف أدروب وأحمد أين وكيف يعيش ملوال ؟ ، ويعرف أسحق وآدم أين وكيف يعيش العوض وخليل ؟.. أجمعوا في قلوبهم هذا الوطن الماهل بالتآلف والتراحم والتلاقي ، بحيث ينشأون على حب المليون ميل أرضا وإرثا وإنسانا ، بدلا من التقوقع في بطون ذواتهم وقبائلهم وأعراقهم كما أفكار وعقول « بعض كبارهم » ..نعم ، علموهم حب الوطن أولا ، بترجمة قصيدة « في القولد إلتقيت بالصديق » إلي واقعهم .. أما حب ماليزيا ، فليكن لاحقا ..!!
إليكم – الصحافة الاربعاء 27/05/2009 .العدد 5717