من خلال الحلقتين السابقتين تعرفنا كيف يتسلل بعض الشباب السوداني الحالم بالثراء السريع بأرض الميعاد (إسرائيل)، واستغلال عصابات تهريب البشر لهم برميهم على الحدود المصرية الإسرائيلية مقابل (3-5) آلاف دولار.. وكيف تستقبلهم السلطات الإسرائيلية داخل حدودها وتضعهم بمعسكرت يطلقون عليها (معسكرات تأهيل)، لكنها في حقيقتها معسكرات (غسل دماغ). من خلال هذه الحلقة الثالثة نكشف معلومات وحقائق غاية في الأهمية عن أوضاع بعض الشباب السوداني الذين نجحوا في التسلل لداخل إسرائيل وكيف يعيشون هناك (بين نارين).
رقم مزعج
وفق بعض التقديرات، يبلغ عدد السودانيين داخل إسرائيل الآن حوالى (6) آلاف سوداني، معظمهم من إقليمي دارفور، والجنوب، وهذا لايعني أن ليس من بينهم لاجئون من الولايات الشمالية.. واستناداً إلى بعض المعلومات، هناك سودانيون يعملون بالدول الأوروبية يزورون إسرائيل، خاصة تل أبيب، للسياحة وليس العمل. واستناداً إلى الإحصاءات الصادرة من سلطات الهجرة الإسرائيلية، تسلل الى إسرائيل خلال الأشهر الخمسة الأخيرة (مايو، ويونيو، ويوليو، وأغسطس، وسبتمبر) حوالى (2810) سودانيين، وهو (رقم مزعج)، ويشير تقرير إسرائيلي إلى أن معدل تسلل السودانيين لأراضيها يبلغ (20) متسللاً يومياً، عبر الأراضي المصرية واللبنانية بينما تشير الإحصاءات الرسمية السودانية (وزارة الداخلية) إلى أن الرقم بلغ حوالى (3) آلاف سوداني تسللوا الى إسرائيل عبر الأراضي المصرية، (40%) منهم من جنوب البلاد، و(35%) من دارفور، و(25%) من منطقة جبال النوبة، غير أن التقرير السوداني الرسمي أغفل المتسللون من الولايات الشمالية، فلم يشر إليهم.
ا
لعلامة الدولية (10)
السلطات المصرية من جانبها تؤكد تنامي ظاهرة تسلل الشباب السوداني – من الجنسين- لإسرائيل عبرأراضيها، إذ كشف مسؤولو أمن مصريون أن منطقة الحدود المصرية- الإسرائيلية شهدت خلال الفترة الماضية نشاطاً متزايداً من جانب عصابات تهريب البشر، لتهريب مئات السودانيين والأفارقة عبر الحدود الدولية، آخرها الشهر الماضي، إذ اعتقلت أجهزة الأمن الحدودية المصرية اثنين من السودانيين أثناء محاولتهما التسلل لداخل إسرائيل، أحدهما ضابط شرطة سابق كان يعمل بمدينة الفاشر، يدعى (ج.ب)، (28) عاماً، برفقته مواطن من الجنوب (27) عاماً، وثالثهما مالي يدعى (أبوبكر كوجول)، (39) عاماً، ويعمل فني ثلاجات. وكان المتسللون الثلاثة اتفقوا مع مجموعة من بدو سيناء لتهريبهم الى إسرائيل نظير ثلاثة آلاف دولار لكل واحد منهم، إلا أن أجهزة الأمن المصرية ألقت القبض عليهم بعد أن أصيبوا بجروح قطعية بالغة بسبب الأسلاك الشائكة، وذلك عند العلامة الدولية رقم (10)، بينما هرب بدو سيناء لداخل الأراضي المصرية،واعترفوا لاحقاً لأجهزة الأمن المصرية أنهم حاولوا التسلل لإسرائيل لطلب حق اللجوء السياسي، والبحث عن فرص عمل.
سؤال حائر
? والسؤال الحائر الذي يدور في الأذهان: لماذا هذا الإقبال من بعض الشباب السوداني للجوء أو الهجرة لإسرائيل؟
– بدأت حمى الهجرة الى إسرائيل تنتاب بعض شبابنا السوداني عقب إعلان السلطات الإسرائيلية استعدادها لاستقبال ألف لاجئ سوداني سنوياً للعمل بمناطقها المختلفة، وتلقت عصابات تهريب البشر هذه المعلومة واستغلتها لصالحها، بل استثمرتها في إغراء الشباب السوداني، واصطيادهم للهجرة الى إسرائيل مقابل «3-5» آلاف دولار للواحد، حيث تقوم بتزيين فكرة الهجرة الى إسرائيل، وأنها أرض الميعاد التي يتوافر فيها كل شيء، عمل، ودولارات، ومستقبل، وبذلك نجحت في إصطياد المئات منهم وأخذت تهربهم إلى إسرائيل من القاهرة وبعض المدن المصرية الحدودية الأخرى، خاصة الإسماعيلية، ومنها لداخل إسرائيل.. أيضاً هناك عصابات تهريب تنشط في بيروت، لكن بدرجة أقل حيث يقومون بترحيل المتسللين للحدود داخل شاحنات صغيرة لا تحمل لوحات مرورية، لتفرغهم أمام الثغرات الضعيفة أمنياً على الحدود، ليتسللوا بعدها بمفردهم لداخل الحدود الإسرائيلية، حيث تقابلهم دوريات الحدود الإسرائيلية وتنقلهم الى مخيمات، أو معسكرات الإيواء والتأهيل، أو بعبارة أصح «معسكرات غسل الدماغ»، بصحراء النقب، كما أشرت إلى ذلك في الحلقة السابقة، وبعد فترة التأهيل التي تستمر «45 – 60» يوماً يتم ترحيلهم للعمل بالفنادق ومزارع الزيتون، والعنب، والخيار، وبعضهم ينخرط في العمل ببعض المدن الإسرائيلية في أعمال هامشية خاصة مدينة «بئر السبع» بصحراء النقب، بجانب المستوطنات الجنوبية.
بين نارين
والإشكالية التي تواجه وتحاصر الشباب السوداني الآن داخل إسرائيل، إنهم لا يمنحون حق اللجوء السياسي إلى إسرائيل، وفي ذات الوقت ليس بمقدورهم العودة الى السودان، إلا بعملية تهريب معاكسة، بل إن السلطات الإسرائيلية لا تعترف بوضعهم القانوني، ولذلك لا يستطيعون التحرك والعمل بحرية. ويستغل أرباب العمل اليهود نقطة الضعف هذه فيستغلون المهاجرين السودانيين أبشع استغلال في العمل، مقابل أجور زهيدة للغاية عكس توقعاتهم السابقة، فيصبحوا بين نارين: نار الأوضاع المعيشية السيئة، والإضطهاد المذل من اليهود، ونار العودة التي تعتبر من المستحيلات، فإسرائىل تحولت الى سجن كبير لا فكاك منه كما وصفها أحد السودانيين هناك.
الهروب إلى إسرائىل
? السؤال المطروح هنا: ما دواعي تسلل أو هروب بعض الشباب السوداني لإسرائيل؟
– من واقع تحريات سلطات الأمن السودانية والمصرية، تنحصر أسباب هذه المغامرة «الطائشة» والمحفوفة بالمخاطر، بحسب إفادات المتسللين أنفسهم تنحصر في اللجوء السياسي بدعوى الخطر الذي يهدد حياتهم في السودان- حسب رأيهم- وهم يختلقون عادة أسباباً وحوادث غير حقيقية تعرضوا لها، وهي من نسج خيالهم.. والسبب الثاني البحث عن العمل.. بجانب ترحيب إسرائىل بالشباب السوداني على أراضيها، كما أعلنت ذلك رسمياً.
ومعلوم أن إسرائيل ليس لديها آلية لتحديد عدد اللاجئين الذين تستقبلهم سنوياً كما يحدث بالدول الأوروبية، فقط هناك لجنة إسرائيلية خاصة بهذا الشأن، تعلن بين الفينة والأخرى استقبال عدد من اللاجئين في حدود «10 – 20» ألف لاجيء سنوياً، حيث تنظر اللجنة المشار اليها إلى كل حالة لوحدها.. وبسبب تدفق اللاجئين على إسرائيل من الدول الافريقية خاصة مناطق النزاعات: «الكنغو، ساحل العاج، اريتريا، الصومال، اثيوبيا، القرن الافريقي، فضلاً عن السودان» تقوم إسرائيل حالياً بإعداد سياسة للهجرة بالتعاون مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
(نواصل)..
التاج عثمان :الراي العام