حليمة اللئيمة

[ALIGN=CENTER]حليمة اللئيمة[/ALIGN] نسب لسيدنا (علي رضي الله عنه) أنه قال:
(لغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وكنس أرض الحجاز في يوم ريح بريشتين، لأهون عندي من طلب حاجة من لئيم.)
اللؤم طبع ومشاعر سالبة تمور في نفس صاحبها وتجعله في حالة (حقد) دائم على المجتمع من حوله، ناقم على كل ذا نعمة حتى أنه ليحسد (الأعمى على طول عكازه)!! و(اللئيم) في دارجيتنا هو الشخص الذي لا يتورع عن إيذاء الآخرين بـ (حفر) يديه أو بـ (سكين) لسانه، ولا يعجز عن إيجاد الكلام الكعب ولا (بتلفت ليهو) فهو حاضر على طرف لسانه عند الحوجة، ولا يتردد في توجية الكلام الجارح القاسي عندما (يلقى) الفرصة، حتى أننا نصف الزول اللئيم بأنه:
(كلمتو ترمي اللقمة من الخشم) ! أو (كلامو زي الرصاص) !
وتقول أماتنا الزمان:
(فلان ده وكت يديك الكلمة .. يقنّعك بها من الدنيا وخيرا) !
و(فلان كلامو زي اللقمة الناشفة أصلو ما بتبلع) ..
كما تعتبر سرعة الرد على ما لا يعجبك من الكلام، وبراعة نظم (مقال) الإجابة المسيخة (الجاهزة) في مقامها المظبوط، بما يشفي نفسك ويذهب غيظها، ضرب من ضروب (القطامة) .. و(لئامة) اللئام تحتاج لأن تكبح بـ (القطامة) فمن يتصف بالأولى يحتاج لان يلزّم مكانه بالثانية ..
*عندما أكثر عيال الحلة من الإلحاح على (هيثم) بأن يحضر (الأتاري) الجديد الذي أحضره له أبوه هدية على تفوقه في امتحان نهاية العام الدراسي، كي يلعبوا به جميعا في بيت ناس (معاذ)، وذلك لميزة تفضيلية وهي أن التلفزيون عند ناس معاذ موضوع في غرفة منفصلة بعيدة نسبيا عن باقي الغرف، بحيث يتيح لعيال الحي اللعب بـ (راحتم) دون أن يتسببوا في إزعاج أهل البيت ..
وكان (هيثم) يتملص ويتحجج بالأعذار حتى انتهمه رفاقه بأنه بخيل ولا يرغب في مشاركتهم لعبته الجديدة، على رغم من أنه كان يشاركهم في ألعابهم اليد باليد حتى تتلف أو تتحطم .. وما كان لهم أن يلوموه لسابق علمهم بطبع والدته الجاف ولسانها الناشف السنين، الذي جعل أهل الحي يلقبونها بـ (حليمة اللئيمة) ..
للإنصاف، لم تكن (حليمة) في واقع الأمر (لئيمة)، ولكنها امرأة ذات (طبع خواجاتي) تعودت أن لا تجامل أحد على حساب نفسها ومصلحتها، فهي شخصية مباشرة لا تحب الحال المايل ولا تعرف اللف والدوران ولا تذويق الكلام ..
تخلص (هيثم) من حرج إلحاح رفاقه، بأن وجههم لأن يأخذوا الإذن من أمه كي تسمح له بأخذ الأتاري لبيت جارهم (معاذ) .. ترددوا وتراجعوا بضعة مرات قبل أن يتشجع أحدهم ويتقدم نحو مجلسها المعتاد أمام التلفزيون وقال:
خالتي حليمة .. يعني عايزين نشيل أتاري هيثم عشان نلعب بيهو في بيت ناس معاذ !
فكان نصيبه (نهرة) أطارت (رحمن) قلبه، فطار على اثرها يسابق الريح مع اصحابه للخارج:
يترتر مصارينك يا ولد انت وهو .. شايفاكم تحجلوا في الأتاري من جابوهو وكان ما خسّرتو ما بترتاحوا .. يللا طيرو كل زول فيكم على بيتم بلاش دوشة فاضية !
تجرأت جارتها (مواهب) في ذات حيرة أجبرتها على (شحدة) توب (حليمة) التوتل المشجر الجديد، وسافرت لتقشر به في مناسبة زواج عند نسابتها، وهناك والحق لله قصّرت (مواهب) في المحافظة على التوب وتركته للفتوات في بيت العرس ليجرجرنه بينهن، ولها العذر في التقصير لأنها لا تستطيع أن تمنع بنات أهل زوجها من لبس تيابها حتى لا تتهم بـ (الكعابة) والتعالي على النسابة ..
حملت (مواهب) التوب بعد عودتها من السفر وذهبت به لـ (حليمة)، فوجدتها تجلس في ضل الضحى لتحرس بت اليومية التي كانت تغسل الملابس .. جلست على الكرسي كما دعتها (حليمة) ومدت يدها وناولتها التوب بقلوب واجف ولسانها يلهج بأن (عاد يا الله تمرقني من لسان حليمة) ..
تناولت (حليمة) التوب منها وقلّبته بين يديها برهة قبل أن تعقد حاجبيها وتقول لـ (مواهب) بمساخة قاتلة:
التوب ده كنتي بتلعبي بيهو في الطين؟ .. جايباهو لي تاني بلا خجلة عشان أسوي بيهو شنو ؟
وقبل أن تتمكن (مواهب) من إيجاد لسانها لترد به .. إلتفتت (حليمة) للشافعة (بت اليومية) وقذت لها التوب بطول يدها وهي تقول:
هاك يا بت التوب ده وديهو لي أمك التتغطى بي .. تاني ما بنفع معاي !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version