* بمقارنة شخصية بسيطة بين وبال الإجازة الصيفية المدرسية وبين روتين السنة الدراسية تحدث بداخلي الكثير من المفارقات والاكتشافات… ففي الإجازة، حيث تطول إقامة الأبناء بين جنبات المنزل ويعانون الفراغ الذي يقودهم للإتيان بأعمال تخريبية، أبسطها الشجار الدائم مع بعضهم البعض، والاختلاف على أبسط الأشياء وارتفاع الأصوات والنشاط الحركي الزائد الذي يقلق الكبار و(يحرق) أعصابهم.. تجدني أكاد لا أعرف أبنائي من فرط ما طرأ عليهم من تغيير ربما لم يكن الوقت كافياً لاكتشفه أيام الدراسة لأنهم يقضون معظم الوقت خارج المنزل ثم يعودون ليقضوا ما تبقى من اليوم في النوم وأداء الواجبات ومتابعة التلفاز.
* خلالها.. أصبحت الفرصة سانحة والوقت أطول لأكتشف كم أصبح أحدهم عدائياً والآخر عنيداً والثالث داهية، والحقيقة أن هناك أيضاً جوانب إيجابية أتاحت لي الإجازة اكتشافها ففيهم من يعشق الرسم والتلوين، وفيهم متحدثة لبقة تعشق القراءة والاطلاع، وفيهم الماهر في التعامل مع الحاسوب. ولكن يبقى بقاؤهم باستمرار بالمنزل مشكلة في حد ذاتها، لهذا نسعى كآباء وأمهات للبحث عن بدائل مفيدة للمدارس في هذه الإجازة، والخيارات عديدة ومتاحة، فمن الواضح أن هناك من اكتشف الأزمة مبكراً وقرر العمل على حلها من منطلق عموم الفائدة، فالكورسات والمناشط وحتى الخلاوي تحقق فائدة لنا ولأبنائنا وللقائمين على أمرها.
* عليه، كلما اعتراني الضجر والغضب وقلة الحيلة في التعامل مع شقاوة و(فصاحة) وعناد أبنائي تلك الأيام، توارد إلى خاطري معلموهم بالمدرسة وما يعانونه معهم ومنهم كل يوم وهم يقضون معهم زمناً أطول من ذلك الذي نقضيه معهم وهم في أوج نشاطهم حينها لا يصيبهم نعاس ولا رهق، وأحتار في الكيفية التي يتعاملون بها معهم حتى يظل بينهم ذلك الود رغم الإحساس بالرهبة والاحترام، وهذه الصورة المثالية أستدعيها من ذاكرتي حين كنا نحب معلمينا ونهابهم وكانوا هم بالمقابل يهدفون لتربيتنا وتقويمنا بضمير وحب قبل أن يقوموا بتعليمنا الأكاديميات، وأعلم أن هذه الصورة الجميلة قد أصابها (بعض) التشويه الآن، وأقول بعض لأن معظم المعلمين لا زالوا على عملهم الرسالي بمبادئهم الغالية كالقابضين على الجمر في هذا الزمن الذي لم يعد فيه المعلم على رأس قائمة النبلاء كما كان يوماً، وهو الذي يتتلمذ على يديه القادة والأطباء والمهندسون ورجال الأعمال وكل أولئك المسيطرين من أصحاب المال والنفوذ.
لقد أصبح التعليم مهنة طاردة، تأتي كخيار أخير لشباب العصر يلجأون لها مرغمين بعد أن سدت أمامهم كل الطرق التي تقود للكسب السريع والمجزي، لهذا تبدل حال أبنائنا وحال المجتمع، وزاد الطين بلة هذا السلم التعليمي الجديد العقيم الذي يجمع بين كل الأضداد، بما فيهم المعلمون والتلاميذ أنفسهم ثم تتوالى الكوارث بتأخير المرتبات وضعفها، فبالله عليكم كيف أطلب من أحدهم أن يعمل مخلصاً على تعليم وتربية أبنائي، وهو بالكاد يسد رمق أبنائه، ويأتي إلى المدرسة مهموماً مديوناً مريضاً وربما جائعاً! وهل يا ترى يكون حينها على عهده وقسمه التعليمي المقدس متجرداً ليخدم مجتمعاً وحكومة لا تكترث لمعاناته ولا تسعى لحل أزمته وتحسين أوضاعه؟!
* ورغم ذلك.. لا نملك إلا أن نشكر كل المعلمين ونقر بامتنانا الكبير لهم وهذا أضعف الإيمان، نشكر أولئك الرائعين الذين علمونا يوماً وهذبوا دواخلنا وفتحوا أمامنا كل الآفاق وقدروا مواهبنا وقدراتنا وتعهدوها بالرعاية والتوجيه، ونشكر هؤلاء الذين يعانون من فرط جحودنا وجحود القائمين على أمرهم بالوزارات والمحليات لأنهم رغم معاناتهم يصبرون على أبنائنا ويحاولون جاهدين الالتزام بميثاق العمل التعليمي والتربوي قدر الإمكان، شكراً لجميع معلمي بلادي محبي المهنة منهم والمرغمين عليها.. المنتمين للمدارس الخاصة أو الحكومية، كبارهم الخبراء وصغارهم الواعدين، فجميعهم بالأخير يحسبون على مهنة التعليم وجميعهم يساهموا معنا في تربية أبنائنا وتحملهم والصبر عليهم وعلى ما يطرأ عليهم من تغيير كبير في مختلف المراحل. والله المستعان.
* تلويح:
رحم الله زمان العريس (اللبِّيس) المن (هيئة التدريس)، فقد أصبح عرسان هيئة التدريس خارج المنافسة.
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي