نتيجة لتلوث المياه :التايفويد والفشل الكلويشبح يطارد سكان بيوت البنك العقاري بأم درمان

ظلت بيوت البنك العقاري بمنطقة المربعات بمدينة أم درمان لسنوات عديدة تعتمد شأنها شأن الكثير من المناطق بالعاصمة القومية على مياه الآبار الجوفية كأهم مصدر للمياه النقية البعيدة عن التلوث، نتيجة لما تقوم به التربة من ترشيح لمياهها، لكن هذا الاعتقاد بدأ يتغير قبل عام بعد أن تدخلت عوامل أخري أصبحت مصدراً لافساد هذه المياه مسببة الكثير من الأمراض، والتى اعترفت بشأنها السلطات الصحية بالمنطقة .

الوضع الآن حسب ماتحققت عنه «الصحافة» يشير الى تفشي أمراض التايفويد والمسالك البولية والنزلات المعوية بنسبة 1 : 5 « أى بين كل خمسة مرضى يصلون للوحدة الصحية هنالك مريض مصاب بأحد هذه الأمراض » ، بجانب تدهور العلاقات الأسرية لخلافات بين أفرادها بشأن ترك المنطقة أوالبقاء فيها ، يضاف لها ارتفاع عدد العمليات الجراحية الناتجة عن الاصابة بالفشل الكلوي والحصاوي بين السكان، وأخيراً فقدان الثقة فى الجانب الحكومي في شأن توفير الخدمات نتيجة لعدم استجابة السلطات المحلية لنداءات المواطنين المتكررة لحل المشكلة، مما سيفضى الى رفع شكوى قضائية للفصل فى هذا الأمر ورفع الضرر .
«الصحافة» كانت هنالك بعد أن استنجد بها مواطنو المنطقة الذين حفيت أقدامهم في طريق البحث عن حل دون أن تجد استغاثاتهم أذنا صاغية، وبمنزل سامية « المحامية « التى لم يمض على سكناها بالمنطقة أسبوع وتقف فى مقدمة الصفوف لحل المشكلة ، التقينا بعدد من مواطني المنطقة والذين أدلوا بافاداتهم تباعاً مسجلين موقفاً مشتركاً لتنبية السلطات بالخطر الذي يحدق بهم وبمنطقتهم .
كانت البداية افادة محمد عثمان بلال وهو شيخ تجاوز الستين من عمره ، وحسب ماذكر أنه عانى كثيراً ولفترات طويلة من الآم فى بطنه بعد أن أجرى الفحص اتضح له اصابته بدسنتاريا أميبية، قال له الطبيب انها كانت نتيجة لشربه مياها ملوثة، ويذهب بعدها فى سرد معاناتهم مع تلوث المياه والتى كما قال بدأت من قبل عام عندما تغير طعم المياه ولونها واصبحت ذات مذاق ورائحة كريهة، ويذهب محمد الى أن محطة توليد المياه بالمنطقة بها مشكلة فهى تنقل المياه مباشرة من البئر الى الشبكة نتيجة لتعطل مولد الصهريج بجانب حدوث ثقب في الصهريج نفسه، ويؤكد أنهم مؤخراً لجأوا الى نقل المياه من الأحياء المجاورة بعد أن أنهكتهم الأمراض،
وتؤكد ماذهب اليه محمد بخيتة عبد المجيد قائلة ان أطفالها يعانون من مغص مستديم بجانب معاناة أختها من الفشل الكلوي، وتذكر أن أقاربها قاموا بزيارتهم مؤخراً أصيب بعضهم بنزلة معوية، وتذهب مؤكدة أن افادات الطبيب أكدت لهم أن السبب تلوث المياه ، أما نفيسة عثمان فتنقل وجهاً آخر من المعاناة قائلة : « المكان أصبح طاردا، ناس البيوت باعوا بيوتهم والبيجى يؤجر ما بقعد شهرين « ، وتضيف « لكن نحن أصحاب أملاك وعايشين رزق اليوم باليوم اتحملنا الباعوضة والذباب واخيراً الموية نحن مجبورين لكن غلبتنا الحيلة كل يوم نحن فى المستشفى مع الأولاد ، الزول لو جاه ضيف يخجل يديه موية من الرائحة الكريهة، فى ناس عندهم استطاعة ينقلوا المياه من خارج المنطقة او من النيل لكن نحن وضعنا المالى ما بستحمل عشان كدا نحن مجبورين نشربها ح،تى ولدى الصغير قال لى يا أمى أعملى لينا فيها ريحة .!! «
اما سامية التى سكنت الحي حديثا ولم تتجاوز مدة سكناها الاسبوع فتقول عن تجربتها الشخصية : انها فور تناولها لمياه المنطقة أصيبت باسهال حاد مما جعلها تقوم بجلب المياه من منطقة مجاورة قبل أن تفكر فى مغادرة المنطقة، وتشير الى أن هذه المشكلة اذا لم تجد طريقها للحل سيلجأون للقضاء بحسبان الضرر الواقع عليهم بجانب دفعهم لفاتورة المياه شهرياً. أما نعيمة التيجانى وهى امرأة فى منتصف العمر مصابة بفشل كلوي أجريت لها عملية قبل شهرين فتشير بأصابع الاتهام بخصوص مرضها الى المياه الملوثة، وتؤكد أنها تحملت وأسرتها رغم دفعها لفاتورة المياه دفع فاتورة جديدة لشراء أو نقل مياه نقية من مناطق مجاورة .أما سليمة عبدالله فتؤكد على ماجاءت به نعيمة قائلة ان ابنها أحضرته ادارة المدرسة نهاراً وهو يغالب المغص الكلوى، أما محاسن فتشير الى انها تعانى من نوبة اسهالات متكررة، وتذهب خديجة صالح بعد أن اتفقت مع بقية النساء فى تثبيت التهمة على المياه الملوثة الى القول انها انتدبت مع أخرى من قبل نساء المنطقة لمتابعة حل المشكلة مع الجهات المسؤولة، وتشير الى أنهن جمعن مبلغاً من المال للمساعدة في اجراء الاختبارات المعملية اللازمة للكشف عن تلوث المياه، وأفادت انهن لم يفلحن حتى الآن فى جمع المبلغ اللازم لاجراء الفحوصات، وتشير الى أنها اتجهت الى مخاطبة المسؤولين عن الحي من اللجنة الشعبية ولكنها لم تفلح فى الوصول الى رئيس اللجنة الشعبية أو أى أحد من أعضائها ليفيدهم عن كيفية مجابهة هذه المشكلة، وتذهب الى عرض تجربتها الخاصة بالقول ان ابنها أصيب بالفشل الكلوي فى بداية شهر رمضان وقضت معظم الشهر بصحبته فى المستشفى، وتضيف الى أنه لم يعد هنالك منزل بحيها يخلو من المتأثرين جراء شرب أو استخدام هذه المياه ، ولسعاد عبد السلام قصة مختلفة تضيفها لمجموعة قصص المعاناة الأخرى والتى تشاركهم فيها بأحد أفراد أسرتها الى القول ان لديها « حافظة مياه «ظلت محافظة على بياض لونها على مدى السنوات الماضية لكنها مؤخراً تحول لونها الى لون شبيه بالصدأ ، وتساءلت بعد ان أتت بحافظتها قائلة : « لو الموية عملت فى البلاستيك ذى دا قاعدة تعمل فى بطونا شنو؟ « .
وتحدث بعد ذلك سيد عبد العزيز الذى تعانى زوجته من التهاب الكلى، وايمان مبارك والتى تشارك والدتها زوجة عبد العزيز ذات المرض، وأجريت لها عملية مؤخراً مما حدا بأسرتها التفكير فى الانتقال لمنطقة أخرى وحسم الأمر ببيع المنزل والبقاء فى المنطقة لحين حلول عطلة المدارس، أما خديجة فتقول ان خلافاً حدث داخل الأسرة بسبب رغبتها فى بيع المنزل ومغادرة المنطقة ورغبة زوجها فى البقاء، وتشير الى مشاكل كثيرة اعترت عددا من الأسر لذات السبب وهو الهروب من المياه الملوثة التى هددت صحتهم .
انتقلنا بعد استماعنا الى الافادات السابقة الى محطة توليد المياه بالمنطقة للوقوف على الأسباب التى تقف وراء التلوث فحسب ما رأت أعيننا كانت هنالك طلمبتان احداهما معطلة والثانية قيل انها تمد المنطقة بالمياه، توجهنا الى عامل المحطة والذى أطلعناه على مهمتنا ، في البداية رفض الحديث حول الأمر لكنه عاد ليقول انه يجهل الأسباب التى تقف وراء تلوث المياه، ويشير الى انه بعد شكاوى المواطنين المتكررة أبلغت الجهات المسؤولة والتى جاءت ووضعت الكلور بالبئر وكان ذلك قبل شهور.
غادرنا المحطة الى المركز الصحي بالمنطقة للوقوف على آثار التلوث من قبل المختصين فيما يخص عدد المصابين ممن يترددون على المركز، هنالك التقينا بالطبيب المناوب محمد عوض والذى أكد ان معظم الأمراض التى ترد اليهم تشمل النزلات المعوية ويشكل مرض التايفويد نسبة كبيرة بين المرضى، ويضيف ان هذا المرض طبياً يرتبط بصورة أساسية بتناول أطعمة أو مشروبات ملوثة، ويشير الى أن المركز يعمل بورديتين ومعظم الفحوصات ايجابية بالنسبة للتايفويد والالتهابات والنزلات المعوية وتتفق جميع حالات التايفويد فى صداع دائم وحمى وآلام فى البطن، ويقول انه شخصياً « وهو من سكان المنطقة « مصاب بهذا المرض، ويضيف دكتور محمد ،اضافة للتايفويد والالتهابات هنالك شكاوى من الآم بالجنب بالنسبة لبعض المرضى مما قد يرشح اصابتهم بحصاوى، ويؤكد ماذهب اليه دكتور محمد فنى المعمل حامد محمد الوالي والذى قال ان نسبة المصابين بالتايفويد بالمنطقة تتجاوز نسبة المصابين بالملاريا، فحسب حامد انه بين كل خمسة مرضى يأتون الى المركز يكون بينهم واحد مصاب بالتايفويد، ويضيف انه بجانب التايفويد هنالك ارتفاع فى نسبة المصابين بالتهابات المسالك البولية ويرجع ذلك حسب حامد الى تلوث المياه .
«الصحافة» اتصلت فى ختام جولتها برئيس اللجنة الشعبية محمد حمد والذى أكد ان مياه البئر نقية حسب ما أكدته الفحوصات التى قام باجرائها مؤخراً لكنه يشير بأصابع الاتهام الى مجارى المياه التى تعمل لتصريف مياه الأمطار، قال انها تحدث كسورات فى الشبكة والتى تقوم بدورها فى وقت انقطاع المياه بسحب المياه الراكدة من داخل المجارى الى داخلها مما يجعل المياه القادمة عبرها للمنازل تحمل الرائحة والطعم الكريهتين، وفى اجابته عن سؤالنا عن دورهم فى حل المشكلة أشار الى انهم اتصلو بالشئون الهندسية بالمحلية وطلبوا منهم معالجة الحفريات لما تسببه من كسورات فى الشبكة وكانت اجابتهم ان هذه الحفريات تتبع للولاية وحسب محمد أنهم ينتظرون لقاءً يجمعهم بالمعتمد لطرح القضية .
وتظل معاناة أهل منطقة البنك العقاري قائمة مالم تتحرك الجهات المسؤولة وتبحث عن الأسباب الكامنة وراء انتشار الأمراض التى أضحت تحدق بهم من كل جانب وشبح التايفويد والفشل الكلوى الذى يقلق مضاجعهم فان كانت المياه الملوثة هي السبب فالله تعالى يقول : «وجعلنا من الماء كل شئ حى»، ولم يقل كل شئ ميت، وتلك الأمراض أقصر الطرق الى سبيله.
نبوية سرالختم ـ الصحافة

Exit mobile version