وادي سيدنا قبيلتنا ولم تفرقنا السياسة

[JUSTIFY]
وادي سيدنا قبيلتنا ولم تفرقنا السياسة

وصلتني رسالة حافلة بالذكريات عن مدرسة وادي سيدنا الثانوية من الصديق شوقي أبو الريش، وهي أصلا مقال نشره في أحد المنتديات، يؤكد فيه ما يحس به كل من تلقى تعليما في تلك المدرسة، وهي أنها صارت «قبيلتنا»، فلم نكن نقيم أي اعتبار لكون هذا من مديرية (محافظة) أو قبيلة كذا، وإلى يومنا هذا يرتبط خريجو وادي سيدنا ببعضهم البعض حتى ولو لم يعاصروا بعضهم البعض في الدراسة، ومن عجائب هذا الانتماء الحميم لهذه المدرسة أن الرائد مأمون عوض أبو زيد والرائد فاروق حمد الله مهندسي انقلاب 25 مايو الذي أتى بنميري إلى الحكم في عام 1969 درسا في وادي سيدنا، وبعد أن احتلت حكومة نميري المدرسة وحولتها إلى كلية عسكرية وقاعدة جوية كتبت مقالات أدعو فيها إلى تكوين حركة تحرير وادي سيدنا، وكانت المفاجأة أن الرائد مأمون وكان رئيسا لجهاز الأمن القومي المسؤول عن كمش وخمش معارضي النظام، ويعرف أنني ضد حكومتهم بالطول والعرض، اتصل بي مؤيدا قيام التنظيم مع إمكان تقديم تنازل للحكومة إذا قامت ببناء نسخة طبق الأصل من تلك المدرسة في موقع ما في أم درمان (نميري أعدم فاروق حمد الله الذي كان وزير الداخلية في حكومته الأولى في يوليو 1971، كما أن خريجا آخر لتلك المدرسة هو الأستاذ محمد صالح عمر قتل على يد قوات نميري في نفس تلك السنة وكان إسلاميا حمل السلاح في الجزيرة «أبا» بالتنسيق مع الإمام الهادي المهدي لإسقاط حكم نميري.. بالمناسبة فإن الشهيد محمد صالح ابن عمتي أي أن أمه وأبي شقيقان).
في المرحلة الثانوية شهدنا المنافسة (وليس الصراع) بين الشيوعيين والإخوان المسلمين، فرغم الفوارق الفكرية كانت العلاقة بين الطرفين تقوم على الاحترام المتبادل، بل لم أسمع قط تلاسنا بين شيوعي وإخواني، فقد كان هناك اتفاق معلن وتام بين الطرفين على أن الأولوية هي لإسقاط حكومة الفريق عبود العسكرية، ولم يكن غالبية الطلاب ينتمون إلى أي من التنظيمين ولكن الجميع كانوا منغمسين في العمل السياسي ضد الحكومة، وفي وادي سيدنا تلك رضعت لبن معاداة الحكومات المتعاقبة وأقولها للمرة السابعة والتسعين بعد الـ 1856 إنه لم تمر على السودان حكومة واحدة تستحق أن تخرج إلى الشارع مؤيدا لها، ولكن الفترات الديمقراطية القصيرة التي تخللت ثلاث حكومات عسكرية باطشة وطائشة، كانت على الأقل خالية من الفساد المكشوف ومطاردة وتعذيب وسجن الخصوم ومصادرة حرية التعبير، وهكذا في وادي سيدنا بدأت «احتراف» الخروج في كل مظاهرة ضد أي حكومة، او الولايات المتحدة التي كانت نصير الدكتاتوريات في كل أنحاء العالم، وأذكر أنني كنت مدرسا في الخرطوم بحري الثانوية خلال فترة حكم نميري، بعد خروجي من السجن بأشهر قليلة، ونجحت في إقناع «الإخوان» والشيوعيين (من تحت لتحت) بأن يبتعدوا عن سفاسف الصراعات ويركزوا على تحريك الشارع في مظاهرات معادية للحكومة، وذات يوم كان الاتفاق على خروج الطلاب إلى قلب السوق أثناء فسحة الفطور للهتاف ضد الحكومة ولكن يبدو أن «عملاء» سربوا الخبر لجهاز الأمن فما أن اجتمع الطلاب في ميدان كرة السلة المواجه لمكتب مدير المدرسة استعدادا للخروج حتى انهالت علينا القنابل المسيلة للدموع، ولأن السودان كان مازال جميلا بأهله فقد كان مدير المدرسة عبدالله علي عبدالله أمين المهنيين في حزب نميري الحاكم، وأرسل فراشا يستدعيني إلى مكتبه وقال لي: أنت رأس هوس «فتنة»، ولو شافوك جماعة الأمن حتروح فيها، فاجلس معي هنا ولن يدخل رجال الأمن مكتبي.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version