*نحن بلد المفاجآت!! يفاجئنا رمضان.. ويفاجئنا العيد.. وتفاجئنا المدارس.. وتفاجئنا المناسبات الخاصة.. ويفاجئنا الخريف.. ويفاجئنا حتى النهار!
نحن بلد اللحظات الأخيرة.. والزمن (الممحوق).. ويبدو أنها فطرة تتعلق بجيناتنا السودانية.. فالأمر لا يقتصر على فئة معينة.. أو عمر معين.. أو جنس معين.. بل يتطور ليشمل القيادات التي يفترض فيها المسؤولية والحياد والاجتهاد الشامل.
*لهذا تجدوني أجد العذر للمعنيين في حكومة ولاية الخرطوم تحديداً بكل مواقعهم ومناصبهم.. فقد فاجأهم خريف هذا العام رغم كونه قد تأخر عن موعده المعتاد قليلاً، وهو ما أحسب أنه دفعهم للاعتقاد بإحجامه عن الحضور في هذا العام، فآثروا النوم في العسل.
*وهاهو (عذاب الأرصفة) يتجدد!! كيف لا والمصارف تصلح لكل شيء عدا التصريف.. تتكدس بداخلها الأوساخ.. ويتكدس حولها التراب الخارج من جوفها متروك بعشوائية، فيحول بينها وبين انسياب المياه داخل مجراها.. وكأنما لا يعرف من قام بحفرها لماذا حفرت أصلاً؟ وربما ظن- وبعض الظن إثم – أنها حفرت لتضييق الشوارع (الواسعة) أو عرقلة الحركة (المنسابة) جداً!
*كلنا نعلم هذه الحقائق المؤلمة.. وكم كتب الكتاب وشكا المواطنون وأطلقت أجهزة الإعلام النداءات والعين لا تنكر المأسأة التي بلغناها إلا من عمي.. وآذان المسؤولين لا يمكنها التغاضي عن دعوات المنكوبين إلا من صمم.. فحتى متى؟
*هل سيتخذ أحدهم موقفاً شجاعاً ومجرداً فيه شيء من ضمير وخشية من لله وينسحب من المسؤولية التي لم يقدر على حملها ويستقيل من المنصب الذي لم يكن أهلاً له؟.. أم أن بريق الكراسي.. والسيارات الفارهة.. وربطات العنق الأنيقة.. وزمرة المنافقين التي تجتمع حول أي مسؤول وتمارس التطبيل بابتزال أكبر من قدرة أحدهم على اتخاذ القرار الذي يحفظ احترامه لنفسه، وبعض ماء وجهه؟
ولله إن مآسي السيول الأخيرة أكبر من الكلمات.. أفلا يكفينا أننا في العام المنصرم 2013 حين كان كل العالم من حولنا في تطور كبير يأتي فيه الإنسان أولاً، ونحن لا نزال نرزح تحت وطأة الفقر والمرض.. والغرق؟!
ترى.. هل هو الجهل.. أم الاستهتار.. أم وجود الرجال غير المناسبين في الأماكن غير المناسبة.. أم انعدام الحس الوطني.. وسوء التقدير.. والفساد.. والغباء الإداري.. أم كل ما تقدم؟.. لا أدري.. ولكن ما يعنيني الآن إلى أي مدى تستعد المحليات لاستقبال الخريف؟ أم أنه قدر لأهلنا (الغبش) في كل عام أن يعاود (مطر الحزن) الهطول فيجدد عذاباتهم؟! لهم ولنا الله!!
*تلويح:
نريد أن (نتحلل) من مخاطر الفيضانات لا أن (تتحلل) بيوتنا الواهية وتذوب!
إندياح – صحيفة اليوم التالي