(مع الآلام هاجت شجوني وأطباء الكون أنا ماعالجوني)
وللتعبير عن شدة وقع الكلام الجارح على النفس ومدى إيلامه يقال:
(كلام حار زي دق العصي في الرُكب)، لأن (الركبة) من أكثر أجزاء الجسم حساسية للألم، والضربة فيها بالعصا موجعه بصورة لا تطاق، ولا أحسب أن هناك من لم يذق في طفولته (حرارة الطقّة) ومرصعتها عندما تصطدم ركبته بـ كراع العنقريب أثناء جريه العشواي الأرعن بين الأثاثات في خضم لعبة (السك سك) ..
كلما أصاب الانسان ألم في مكان معين في جسمه، أعتقد جازما بأن ألم تلك المنطقة من أشد أوجاع الجسم مضاضة، فمن ذاق وجع (القاود) الذي يشعل النار في مفصل الأصبع الكبير للقدم، يحلف (قسم) بأنه لا يوجد بين جميع الألآم ماهو (أحرّ) منه، ومن يعاني نوبات صداع (الشقيقة) يراهن على فوزها بصدارة أوجع الأوجاع، وهذا ما كنت أحسبه أنا أيضا لمعاناتي من نوباته بين الحين والآخر، إلى أن (قام) علي وجع الضرس قبل فترة وساهر بي وأفهمني معنى دعاء الحبوبات على من يغضبن عليه بـ (اريتو بي وجع الضرس) ..
غنيت لوجع ضرسي (آمنت بيك) وسلمت له بحقه في تصدر قائمة أوجع الأوجاع وجعا، وبعد ده كلو لم أسلم من (النقحي) الفي نص الدماغ، حتى خلصتني من شرّه دكتورة أسنان ضليعة ذات عضلات (تبش)، هجرتني تحتها وهجمت على ضرسي (العضير) بالزردية ثم قامت بي وبيهو، ولم تتركنا إلا بعد أن قلعته ومعه عيني الشمال وسلمتني ليهم في بطن إيدي ..
ذكرتني عضلات الدكتورة (التبش) بالتاريخ الوجعي لضرسي الفقيد، ومعاناتي في ليلة من ليالي البرلمة داهمتني فيها أوجاع نفس الضرس، وتضافرت مع ليل الغربة لتفاقم شعوري بـ (الهملة) و(الجدعة) لأنني لم أكن أعرف كيفية التصرف ولم أجد حتى حبة قرنفلة أسكّن بها ألمي، إلى أن أصبح الصباح فحملت ضرسي ووجعي وذهبت للكلية، وهناك أرشدتني صديقاتي الطالبات من أهل مكة الاسكندرانية العالمات بـ (شعاب) الكلية، بمكان عيادة الأسنان الخاصة بالطلاب والتي كانت تقع داخل حرم الكلية بـ (محرم بك) ولم أكن أدري بوجودها ..
دخلت على طبيبة رقيقة صغيرة الحجم والسن، غمرتني بعطفها وحنانها قبل أن تحمل الدربكين بيدها الرقيقة، وتقوم بهدم قلاع السوسة التي تمترست في ضرسي المسكين ثم تحشوها بالمونة، وكنت كلما غلبني الصبر على الألم، أمسك يدها و(أقوم بيها)، فتصبّرني بـ (تربيتة) على كتفي وكلمات حنينة:
معليش يا حبيبتي .. أنا حاسة بيكي والله
تذكرت ذلك (الحنان) والرقة وقارنتها بعضلات (زولتي) الضليعة، ونهراتها الصارمة كلما أحست مني بالجرسة وهي تخلخل بنيان ضرسي قبل أن تقوم به .. هززت رأسي وحدثت نفسي بـ (حقا هناك فرق) !!
وللحقيقة، فإن طب الاسنان مهنة تحتاج للعضلات التبش كحوجتها لطولة البال والرفق، ولا أدري من أين يمكن أن تأتي دكتورتي الاسكندرانية الرقيقة بالقوة اللازمة لخلع ضرس، فقد سمعت ان إحدى الحنكوشات كانت طالبة أسنان وتتدرب بعيادة الكلية وكانت تكثر من توزيع الحنان على المرضى والطبطبة على أنغام (كر علي) و(معليش يعني .. وجعك؟)، حتى جلس بين يديها رجل مشرئب الافحاح كان من المفروض أن تخلع ضرسه .. حملت الكماشة وحاولت مرة ومرة تانية وعاشرة ولم تتمكن حتى من خلخلة الضرس فصاحت بنعومة ورقة تستنجد بزملائها الشباب:
ووووب علي .. وووب علي .. تعالوا ساعدوني ما قدرتا عليهو !
كان (مرتضى) يحمل تلك الخلفية عن طبيبات الاسنان، ويعتقد أن طب الأسنان كـ مكنيكية العربات يجب أن تكون مهنة حكرا على الرجال، لأنها تحتاج لمجهود عضلي بالاضافة للإلمام بالفنّيات، ولم يكن يجاذف بالتعامل مع الاناث في هذا المجال إلى أن تآمر عليه أثنان من ضروسه في ذات ليلة ..
توجه للعيادة ولكنه لم يجد فيها غير طبيبة (أنسة) .. تردد وراجع نفسه وتراجعت خطواته عدة مرات قبل أن تجبره الأوجاع على أن يتوكل على الله ويدخل عليها .. كذب الله سوء ظنه عندما خيبت الطبيبة فكرته السالبة بأدبها وذوقها وتمكنها من الامساك بلجام الدربكين والذردية بقوة وبراعة لم تخلان بجمال الأنثى فيها فـ … كان أن خرج منها يومها بعد أن خلعت ضرسه الأول، أما الثاني فخلعته له بعد عودتهما من شهر العسل !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com