تساؤلات عديدة يفرضها واقع حال منطقة أبيي التي تم التنازع حول حدودها بين طرفي نيفاشا (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) إلي أن شدت الرحال نحو المناطق الباردة حيث مقر محكمة التحكيم الدولية الدائمة بـلاهاي ..والتي بدورها حسمت صراع الشريكين حول المنطقة بالحل الذي وصف من قبل الأطراف والخبراء بالتوفيقي.
لكن ثمة أمور عالقة ربما من شأنها أن تؤدي الى زعزعة الإستقرار بالمنطقة ونسف ما أقتضته المحكمة في قرارها الملزم للأطراف كافة، وتقف علي ناصيتها مسألة ترسيم الحدود ومدي قبول الشريكين بالأمر، إضافة الي مدي إلتزام طرفي المنطقة أنفسهم (المسيرية – الدينكا). خاصة وأن المنطقة تشكل بؤرة توتر منذ توقيع اتفاق السلام الشامل ، ظهر ذلك جلياً في الأحداث والمواجهات الأخيرة التي شهدتها المنطقة في مايو من العام المنصرم وتسببت في تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص.
ومن المتوقع أن يؤدي الفشل في تنفيذ البروتكول الخاص بـ (أبيي) إلى تفاقم الصراع بين المجتمعات المحلية وتزايد توتر العلاقة بين الخرطوم وجوبا، خاصة وأن الأشخاص الذين يعيشون بشكل دائم في (أبيي) من قبيلة الدينكا والمسيرية وأن الاخيرة عادة ما تتنقل مع مواشيها عبر المنطقة في مواسم معينة بحثاً عن المرعى والمياه ، مما يعني أن الطائفتين قد تتواجهان وقد يؤدي ذلك إلى دخولهما في اشتباكات كما حدث في الماضي وعلي إثرها تصاعدت وتيرة الأحداث بين القبيلتين ، ويتخوف البعض من تأثير عمل اللجنة والتي أشارت إليها المحكمة في عملية الترسيم وبدأت عملها الأن فعلياً بالمنطقة ولأكثر من اسبوع .
لكن رينق دينق كوال حاكم مديرية أبيي اكد انه وبصدور قرار لاهاي أعلنت الأطراف كافة موافقتها و لكنه في الأونة الأخيرة برزت للسطح بعض المجموعات التي تري ثمة انتقاص لحقوق دينكا نقوك في المنطقة ، بينما يري المسيرية نفس الشئ خاصة من الناحية الشمالية للمنطقة ، والشاهد علي ذلك الجدل الكثيف الأن حول منطقة (الميرم). وأعلن كوال في حديثه لـ (الرأي العام) عن نقاط سماها بالخلافية حول الارض في منطقة العشائر الـ (9) التي نقلت في حدود (1905) من مديرية بحر الغزال الي كردفان وأنها المعنية بالخلاف الذي قامت علية محكمة (لاهاي).
وأكد علي أن الأطراف هناك (المسيرية- الدينكا) وهم أساس التعايش راضون عن ما يجري تماماً ، واستطرد: لكن ثمة أصوات خفية موجودة بالمنطقة نعتها كوال بالنشاذ ، وأشار الي أنها تعمل وفق أجندة خاصة. واكد ان اللجنة التي حددتها لاهاي لترسيم الحدود تعمل الأن بالمنطقة ولا يوجد ما يعيق عملها.
بينما تشير متابعات (الرأي العام) أن لجنة ترسيم حدود أبيي التي ذهبت للمنطقة لإعلان الشواخص بالقرب من مدينة (بانتيو) منعت من العمل هناك وأنهم – أي أفراد اللجنة- لم يذهبوا الي حدود المسيرية مع دينكا نقوك .
وفي السياق أكد بروفيسور عبد الله الصادق مدير عام هيئة المساحة وعضو لجنة الترسيم علي أن اللجنة التي تم تكوينها من هيئة الرئاسة تعمل الآن ولأكثر من أسبوع بالمنطقة وفق الحدود التي أقرتها (لاهاي) ، وقال لـ (الرأي العام) إن العملية من أجل ترسيم حدود منطقة أبيي من الإتجاهات الأربعة وتحديد النقاط بينها والولايات المجاورة.
وبدوره قلل د.كارلواويل رئيس مجتمع أبيي المدني من صوت الإعتراض كما استبعد ان يحول بينه وعمل اللجنة ، وأكد لـ (الرأي العام) علي أنه لا توجد إية إعتراضات من قبل الدينكا هناك ، وقال (مافي زول عندو حاجة يقدر يعملها بعد قرار المحكمة) ، وأضاف: وجود حسن النية من الشريكين يؤثر علي مجريات الأمور بشكل أساسي ، وقلل كوال من قيمة الأصوات والتي قال إنها غير مؤثرة إلا إذا كانت لها علاقة بالمؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية ، لكنه عاد وقال إن الطرفين لهما قناعة تامة في المسألة ولا توجد أية بوادر للخلاف خاصة في حدود المنطقة الجنوبية وإن وجدت مشكلة فإنها بالمناطق الثلاث ومنطقة العشائر الـ (9).
وكان محمد خاطر جمعة رئيس إتحاد عام المسيرية قال إنهم أعلنوا قبل التحكيم رفضهم لأي قرار من محكمة التحكيم في لاهاي لأنهم كانوا علي قناعة بأن الخواجات لن ينصروا المسيرية علي الدينكا. وقال جمعة في ندوة أسس التعايش السلمي في أبيي بعد التحكيم بمركز دراسات المجتمع (نحن نعتقد أن هذا التحكيم أضر بنا وأخذ حق المسيرية).
اللواء الركن عبد الرحمن مرسال معتمد أبيي السابق وأحد أبرز المهتمين بقضيتها ، أشار في حديثه في ذات الندوة إلي جملة من المؤشرات السالبة وحالة من التوجس وسط أهالي أبيي بسبب قرار التحكيم الذي ركز علي الجانب السياسي وأغفل برأيه الجانب الإجتماعي ، كما إستبعد مرسال عودة العلاقات بين المسيرية والدينكا كما كانت من قبل.
ولكن .. ما يزيد من حدة المخاوف الرهانات الإقتصادية والسياسية الكبرى التي تنطوي عليها مسألة أبيي، مع الإستفتاء المقرر في الجنوب في 2011م لتحديد مصير المنطقة ، حيث يرغب الجنوبيون في ضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي أبيي النفطية، فيما يسعى الشمال للإحتفاظ بتلك الموارد.
ورغم تعهد المؤتمر الوطني والحركة بإحترام قرار محكمة لاهاي ، غير أن العديد من المراقبين يخشون من إحياء الخلافات القبلية لزعزعة إستقرار المنطقة لصالحهما.
يحيى كشة :الراي العام