عمل الأمهات يؤثر سلبًا على صحة أطفالهن

حذرت دراسة بريطانية حديثة من خطر اقتحام الأمهات لسوق العمل على صحة أولادهن الصغار. وأوضح باحثون من معهد صحة الطفل في العاصمة البريطانية، لندن، أن النتائج التي خلصوا إليها عبر دراستهم سيكون من شأنها أن تتسبب في إثارة زوبعة من الجدل المتجدد حول هوية السيدات اللواتي يجبرن على تقسيم أوقاتهن ما بين العناية بأطفالهن وبين الذهاب الى العمل. وقد وجد الباحثون أن هناك سيدتين تقريبًا من كل ثلاثة سيدات عندهن أطفالا ً دون الخامسة، يعملن في بريطانيا، منوهين إلى توقعهم بحدوث زيادة في تلك الأعداد، وتجلي وضوح آثار تلك المسألة على الحالة الصحية للأطفال.

هذا وقد بيَّنت لهم الدراسة أيضًا أن أطفال الأمهات العاملات يذهبون إلى المدرسة على الأرجح عن طريق وسيلة من وسائل المواصلات ( وليس سيرًا على الأقدام )، كما يشاهدون التلفزيون لمدة تزيد عن الساعتين يوميًا، بالإضافة إلى اعتيادهم على تناول مشروبات محلاة بين الوجبات. واتضح أيضًا أن أطفال السيدات اللواتي يعملن بطريقة الدوام الكامل يأكلون قدر أقل من الفاكهة والخضروات. في حين تعاني الأسر المنتمية للطبقة المتوسطة من المشكلات ذاتها، حيث ظلت النتائج كما هي حتى بعدما تم أخذ ( دخل الأسرة ) بعين الإعتبار. وتنوه صحيفة التلغراف البريطانية هنا إلى أن حث الأمهات على العودة للعمل أضحى واحدًا من سياسات العمل الأساسية في البلاد، وفي عام 2004، قالت باتريشيا هويت التي كانت تشغل منصب وزير التجارة والصناعة البريطانية إن الأمهات اللواتي لا يعدن إلى العمل يعتبرن “مشكلة حقيقية”.

وفي الوقت الذي وجدت فيه الدراسة التي أجريت على أكثر من 12 ألف طفل بريطاني تبلغ أعمارهم خمسة أعوام، أن أطفال السيدات اللواتي يعملن بدوام كامل يتناولون قدر أقل من الفاكهة والخضروات، تبيّن أن تلك العلاقة قد تلاشت بالنظر لوضعية الأمهات اللواتي يعملن بدوام جزئي. ومع هذا، لم يكن هناك فرق بين الأمهات العاملات والأمهات غير العاملات على مستوى التمرينات الرياضية التي يتحصّل عليها الأطفال، أو ما إذا كانوا يتغذون بشكل أساسي على شرائح البطاطا والحلويات بين الوجبات.

وقالت الباحثة المشاركة في الدراسة كاترين لو، أستاذة علم الأوبئة المتعلق بطب الأطفال :” لا تعني نتائجنا أن هناك حالة من الرفض لعمل الأمهات. على العكس، فقد أظهرت لنا احتياجنا لسياسات وبرامج تساعد في دعم الأبوين وإعانتهم على توفير مناخ صحي لأبنائهم”. وأكد الباحثون على أن هناك ما يقرب من 60 % من السيدات المنجبات لطفل واحد عمره خمسة أعوام فما أصغر بالمملكة المتحدة أو أميركا يتم توظيفهن، وأضافوا في سياق الدراسة بقولهم :” قد يعمل ضيق الوقت على الحد من قدرة الأبوين على تزويد أطفالهم بأطعمة صحية وفرص لممارسة النشاط البدني. وبرغم كشفنا عن أن ترتيبات العمل المرنة ليست بالضارة، إلا أنها لم تكن ذات أهمية على الأرجح في مساعدة الأبوين على دعم تنمية السلوكيات الصحية الإيجابية لأطفالهم”.

وأوصى الباحثون بضرورة أن يكون لدور الحضانة وجلساء الأطفال دور في سدّ تلك الفجوة، بالمساعدة في التأكد من حصول الأطفال على المستويات الموصى بها لهم من الفاكهة، والخضروات، وكذلك التمرينات الرياضية. وتابع الباحثون حديثهم هنا بالقول :” إن الإقدام على وضع سياسات ونظم يمكن أن يخلق مناخا ً يشجع على تناول الطعام الصحي وممارسة النشاط البدني”. هذا وقد أتم الباحثون دراستهم بعد توجيههم مجموعة من الأسئلة للأمهات حول عدد الساعات التي يقضونها في العمل، وأنظمة أطفالهن الغذائية، والتمرينات الرياضية، ومستويات النشاط البدني حينما كان يبلغ عمر الأطفال خمسة أعوام.

وكشفت النتائج بعد مراعاة عدّة عوامل من بينها درجة تعليم الأم، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، والأصل العرقي، عن تزايد احتمالات ذهاب الأطفال إلى المدرسة عبر وسيلة من وسائل المواصلات بنسبة 55 % إذا بلغت عدد ساعات عمل أمهاتهم 21 ساعة أو أكثر أسبوعيًا. كما ترتفع نسبة مشاهدتهم للتلفزيون مدة تزيد عن الساعتين يوميًا بنسبة 33 %، مقارنة ً بأطفال الأمهات اللواتي لا يعملن على الإطلاق. من جانبها، قالت لوسي ليود، مديرة قسم الاتصالات في معهد الأسرة والأبوة إن الدراسة لم توضح ما إذا كان يحظى الطفل بعناية أثناء تواجد أمه في العمل أم لا، أو ما إذا كانوا يحظون برعاية رسمية ( مثل دور الحضانة ) أو يُعتنى بهم من قبل أحد الأقرباء. وتابعت بالقول :” لا ينبغي أن نستخدم تلك الدراسة في توجيه اللوم إلى الأمهات العاملات، فلسنا بحاجة لضربهم بعصا. ومن الصعب الخلوص لأي نتائج ثابتة بشأن تلك الدراسة”.

أما جيل كيربي، مديرة مركز الدراسات السياسية، فقالت :” يبدو أن الصورة الإجمالية التي ظهرت أمامنا هنا تؤكد ما توصلت إليه الدراسات السابقة حيث يتزايد اندفاع ومحاولات الأمهات للتعامل مع مطالب الحياة العملية، حيث تقل لديهم القدرة أو الحافز على التأكد من أن أطفالهن يسيرون وفق نظام غذائي وأسلوب حياة صحي”. بينما أكدت سيو بالمر، الكاتبة والخبيرة الاستشارية في شؤون التعليم، على أنها لم تُفاجَئ بمال آلت إليه الدراسة البحثية الجديدة من نتائج، وقالت :” إذا كان الأبوين قريبين من هؤلاء الأطفال في أول ثلاثة أعوام من ولادتهم، سيتمكنون من تأسيس العادات الافتراضية للأكل، والنشاط البدني، واللعب، وروتين وقت النوم، وطقوس تناول الطعام، وهي العادات التي يمكنها مواجهة الآثار المترتبة على رسائل المستهلك التي يتلقاها الأطفال في أغلب الأحيان، وبخاصة بشأن الوجبات السريعة. وإذا نجح الأبوين في إرساء تلك العادات في ثقافة الطفل بتلك السن الصغيرة عبر تلك العلاقة الوطيدة، فإنها ستستمر على الأرجح معه بعد ذلك”.

المصدر :ايلاف

Exit mobile version