*كما نفعل صباح كل عيد تجمعنا صباح اليوم ذاك ونحن في حالة من الفرح الذي لا نعرف له سبباً..
*فهو من الصباحات التي لا تزال عالقةً بالذهن رغم ليل يكرّ علينا ونهار..
*فلم يكن اليوم ذاك يوم عيد، ولا يوم مناسبة عرس، ولا يوم وليمة من ولائم صالح السيد التي كانت تجذب الصغير منا والكبير..
*لِمَ الفرح إذاً ؟! …
*لست أدري ….
*وحين أقول لست أدري فإنما أتحاشى أن أنسب الفرح الغامض إلى الذي كنا (نفعله!!) في اليوم ذاك ..
*و الذي كنا نفعله هذا لا علاقة له بـ (المناسبة) التي تجمعنا لأجلها..
*أو ربما له علاقة على نحو غير مشابه بـ(طقس) يمارسه المحسوبون على طائفةٍ ما..
*تجمعنا وفي يد كل منا جريدة من جرائد النخل، أو فرع من فروع النيم، أو سوط من أذناب البقر..
*ثم تحركنا نجوس خلال الديار لنضرب كل من يصادفنا سيما النساء ..
*لماذا نصيب النساء من (الجلد) كان أكبر؟! ..
*لست أدري كذلك….
*فهكذا كان يفعل صبية منطقتنا ـ بأقصى الشمال النوبي ـ في مثل اليوم المذكور من كل عام..
*يوم الـ(يوب وب!!)…
*وهو يوم يصادف ذكرى عاشوراء…
*ذكرى استشهاد الحسين بن علي في معركة كربلاء..
*ويصادف كذلك ذكرى نجاة موسى عليه السلام وقومه من فرعون بفضل من الله تعالى..
*وقيل أنّ نبي الله موسى درج على أن يصوم ذلك اليوم شكراً لله..
*وكذلك فعل نبينا عليه الصلاة والسلام..
*فهو ـ إذاً ـ يوم للشيعة و لأهل السُنّة على السواء..
*فأهل السنة يحتفون به صياماً…
*وأهل الشيعة يتألمون فيه ضرباً..
*ولكن ما كنّا نفعله نحن بمنطقتنا لا علاقة له بما يفعله الشيعة، ولا ما يفعله أهل السنة..
*فلم نكن نصوم نحن، ولا نضرب أنفسنا كما يفعل الشيعة..
*فقد كنا نضرب الآخرين..
*والآخرون هؤلاء جلهم من النساء..
*وكأن النساء هن اللائي قتلن الحسين يوم كربلاء وليس الرجال..
*ومن طرائف الطفولة المتعلّقة بهذا اليوم طرفة بلدياتنا الذي كان يصر على الرضاعة رغم أنّه كان (شحطاً!!)، ويتكلم، ويذهب إلى الخلوة..
*صحيح أنّه كان يتكلم نوبيةً (فصيحة) ولكن ذهابه إلى الخلوة هو بغرض تعلم لغة الضاد..
*وفي يوم تكالب فيه نسوة الحي على والدته يلمنها على إرضاع (رجل!!) فاجأهنّ الراضع هذا بكلام ضحكت له البلدة بأسرها ؛ ومازالت..
*فقد أبعد صاحبنا فمه عن ثدي أمه وقال للائمات ما ترجمته بالعربي: (لا تقلقن؛ سوف أفطم نفسي يوم اليوبيوب) ..
*ثم طرفة أخرى بطلها زميل لنا من حاملي السياط ساهم ـ مع الآخرين ـ في ضرب أخته التي كانت بمعية أخريات في الشارع..
*ثم ضربها مرة أخرى في البيت ـ عند انقضاء اليوم ـ بسبب خروجها إلى الشارع..
*وكادت (المسكينة) أن تلحق بشهيد عاشوراء لتصير شهيدة الـ(يوب يوب) ..
*وإلى لحظة كتابة كلمتنا هذه لا أدري فيم كان ذلكم (الجلد!!)كله في يوم ذكرى عاشوراء ..
*كما لا أدري- كذلك- سبباً لجلدٍ إنقاذي مماثل الآن (كل يوم !!!!!) .
من إرشيف الكاتب
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة