في سيرة الديوك

[JUSTIFY]
في سيرة الديوك

ما سأتناوله في هذه المساحة يشبه في طرافته ذاك التعريف الشائع للديك بأنه (ذكر الدجاج)، وهذا التعريف رغم طرافته الظاهرة إلاّ أنه يستتر مادة خصبة للتداول الفكري والفلسفي ويتيح (براحاً) صوفياً شاسعاً للتأمل والتدبر. فالديوك لها تاريح حافل في العيش بيننا نحن (بني البشر)، وهو تاريخ دون شك له أثر بالغ على حياتنا يبدأ من استعارته لُغوياً لتوصيفِ حالةٍ أو سلوك بشري ما ذي أصرة ووشيجة بصفات الديك، فالرجل الصيّاح النبّاه والمؤذن لا بُدّ وبالضرورةِ يحيلنا إلى الأنشودة الابتدائية القديمة (اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا).

وقيل في سيرة الديك إنه في الغالب يبتدر صياح الفجر وعمره شهرون، ويتفاقم صياحه ويصل الذروة وهو ابن أربعة، وفسر علماء الحيوان هذا السلوك بأنه مثابة إعلان عن وجوده على طريقة (أنا هنا).

واستطراداً في توثيق السيرة المتواترة علمياً أضطلع فريق بحثي ياباني بدراسة (صياح الديوك)، حيث عكف على مجموعة منها فوضعها في غرفة منخفضة الإضاءة لمدة شهر كامل رصد خلالها سلوكها على مدار اليوم، فتوصل الفريق إلى أنه ومع غياب (تعاقب الليل والنهار) إلاّ أنها بقيت تصيح في الوقت نفسه كان شيئا لم يتغير، ما يشي أن الديكة تعتمد ساعتها الداخلية في عملية (الصياح)، لكن ورويداً رويدا وبمرور الأيام وتحت الإضاءة المنخفصة المستديمة بدأت مواعيد صياح هذه الديكة بالتبعثر والميل إلى عدم الانتظام ما يشير إلى تلاشي إيقاعها وتعودها على نظام الضوء الجديد المسمى علمياً بنظام (الشفق الدائم).

لكن الأهم من كل ذلك، أن الإنسان بعبقريته الفذّة بلور من علاقته بالديوك آلية للترفيه والمراهنات صارت لاحقاً مصدراً لدخول كبيرة، وأطلق على تلك الآلية (صراع الديكة)، وهي مسابقة تعقد داخل حلقة تسمى (قمرة) حيث يتصارع ديكان على رهانات بملايين الدولارت.

ورغم أن هذا النوع من الترفيه والمراهنات يتلاشى الآن، إذ عدته بعض المنظمات الحقوقية نوعاً القسوة على الحيوان فتم حظره في معظم البلدان، إلا أنه لا يزال يُمارس في السودان خاصة على (ساحل البحر الأحمر) بين رجلين شكلا إلى وقت قريب يداً باطشة بمناوئيهم، وها هو البلدوزر (محمد طاهر) يصيح، فيعرض له أيلا بصيحة مضاعفة، وها هي الحلقة (القمرة) تتشكل، والجمهور يتوافد والمراهنون يرفعون (السعر)، وعدد من أعضاء المؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر يرفعون مذكرة لرئيس الجمهورية مطالبين بإقالة أيلا وإنقاذ (الحزب بالولاية) من قبضته.

ألم أقل لكم إنه صراع ديكة، وإلاّ لماذا تعالى صياح البلدوزر الآن يعد أن أقصي؟ ولماذا رضي (كل هذه السنين) أن يكون يد (أيلا) التي يبطش بها، وعينه التي يرى بها، فحين كانت شعوب البحر الأحمر تعاني من (كب الأسفلت على الطرقات) وغض النظر عن احتياجتها الأساسية في الريف، وحين كانت تسخر من (كلام الجرايد) بأن أيلا طوّر الولاية، كان البلدوزر يعرض في حفلات السياحية عن يمين أيلا وعن شماله، وكان مريدوه (يبشرون له). ثم عندما عندما قيل له (فهلا جلست في بيتك) حتى تأتيك (تبشيرتك)، تعالى صياحه وتعالى صياح صاحبه عليه، وها هما يعدان (القمرة) لعراك دموي لن يستفيد منه غيرهما، صراع من أجل المنصب والمال والجاه وليس من أجل المقهورين والفقراء، صراع شخصي وحزبي وليس وطنياً، وهذا ما قاله البلدوزر (إنقاذ الحزب من قبضته).

إنه صراع الديكة الدامي، وسيخسران ويربح المروضون والملاك، فمن يراهن؟

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version