كثيرة هي تلك العلل والمشكلات التي يعاني منها جسد التعليم في السودان، فالعملية التعليمية الآن في مفترق طرق، وعلى الرغم من مناشدات الاكاديميين وذوي الاختصاص الرامية للاصلاح إلا أن كل مجهوداتهم وبحوثهم الهادفة لترقية العملية التعليمية تذهب أدراج الرياح ولا تجد آذاناً صاغية تتجاوب لحل معضلة التعليم التي اعترف بضعفها حتى وكيل وزارة التربية والتعليم د. المعتصم عبد الرحيم حينما وصف حال كليات التربية بالضعيفة بل دعأ لتوزيع تخصصاتها لعدم جدواها على الكليات النظرية بمعنى لا داعي لوجود كليات التربية التي ترفد سنوياً اعداداً على ضعف من الخريجين بالالآف منهم المستوى الأكاديمي، وعلى الرغم من ضعفهم يدفع بهم كمدرسين في المراحل التعليمية المختلفة الأمر الذي زاد معظم المؤسسات التعليمية الحكومية ضعفاً على حالها الذي يغني عن السؤال… «الرأي العام» أجرت تحقيقاً صحفياً حول الاسباب التي أدت إلى ضعف العملية التعليمية والمستوى الأكاديمي للطلاب استطلعت فيه كفاءات علمية مرموقة فأدلوا بدلوهم في أسباب ضعف العملية التعليمية وقدموا أفكاراً لترقية التعليم بالبلاد ولكن من يسمع؟
———
تأهيل المعلمين
العملية التعليمية الآن في مفترق طرق بشكل مجمل وليست اللغة الانجليزية وحدها التي تعاني من الضعف هكذا استهل د. شهاب رمزي الخبير التربوي حديثه معى عندما سألته عن الأسباب وراء تدني وضعف التحصيل في مادة اللغة الانجليزية، واستطرد قائلاً: العملية التعليمية الآن تعاني الكثير وهي تحتاج لوقفة عاجلة حتى لا تحدث كارثة مستقبلية لآن التعليم الجيد يعني المستقبل الآمن للأمة ويضيف: فمادة اللغة الانجليزية في المدارس يمكننا ان نرجع اسباب ضعفها لعدم تأهيل المعلمين وذلك بافتقادهم لما يسمى بالعملية التدريبية للمعلم فلا يمكن ان تدفع بمعلمين قليلي الخبرة وحديثي التجربة لتدريس اللغة الانجليزية بالمدارس والجامعات بدون ان تكون لديهم أدنى أساليب التعامل مع التدريس مع الطلاب والمنهج وإذا تحدثنا بصراحة فإن معظم مدرسي اللغة الانجليزية الذين يمارسون عملية التدريس الآن بالمدارس هم انفسهم يحتاجون لمن يدرسهم قواعد اللغة الانجليزية ناهيك عن عملية تدريسها التي تتطلب مهارات وعملية تدريبية مستمرة حتى يكون المدرس مواكباً للمناهج العلمية الحديثة فاللغة الانجليزية لغة متطورة تحتاج للاجتهاد.
? فقلت له: هل برأيك ان مناهج اللغة الانجليزية التي تدرس الآن بالمدارس والجامعات تعد مناهج علمية مواكبة، فأجاب قائلاً علينا ان نتساءل جميعاً لنجد إجابة شافية تخرجنا مما نحن فيه الآن من تخبط في المناهج.. هل نحن لدينا منهج واضح؟ الإجابة برأيي لا يوجد منهج واضح يسير الناس على هديه بل أن جميع المناهج التي تدرس الآن بالية ولا تواكب ما هو مطروح الآن من مستجدات في العالم. فقلت حدثنا عن المشكلة الحقيقية في المنهج؟ فقال: في كل بلاد الدنيا عملية المناهج تقوم بوضعها بيوت خبرة من المختصين المهرة في التخصص المعين ولا توضع بصورة ارتجالية خاضعة لاجتهادات شخصية كما يحدث الآن من تغير مستمر للمنهج، فالعلة ليست في المنهج فحسب وانما في رغبة الجهات المسئولة في وضع المنهج المناسب فإذا أرادت الجهات المسئولة وضع منهج يخرج إجيالنا من وهدتها هذه، عليها ان تراجع جميع سياستها التربوية والتعليمية، وكما عليها الرجوع للخبرات السابقة لتسهم في صياغة منهج علمي سليم يهدف لترقية الامة ودعمها باتجاه التنمية لان المنهج العلمي السليم يعني ازدهار مستقبل وطن والمنهج الردىء يعني تدميراً شاملاً للعقل.
البيئة الجامعية
ويذهب د. السلمابي بشير استاذ جامعي للغة الانجليزية إلى أن من الاسباب الرئيسية وراء التدني وضعف اللغة الانجليزية يرجع أولاً للبيئة الجامعية والدراسية بشكل متكامل فقال ان البيئة الجامعية والمدرسية اعتقد أنها غير مهيأة تماماً كي تساعد الطلاب في عملية الاستيعاب والاساتذة على إمكانية توصيل المعلومة بشكل سليم . ويضيف فمعظم الجامعات تفتقر حتى لقاعات الدراسية والمكتبات المعدة بصورة تليق بالعملية التعليمية هذا على مستوى البىئة الجامعية، أما المدارس فحدث ولا حرج فهي تفتقر للعملية التعليمية فأساتذة اللغة الانجليزية بها نجدهم حديثي التخرج ولم يخضعوا لأية عملية تدريبية هذا بالاضافة لضعف الجامعات التي تخرجوا فيها فمعظم هذه الجامعات في مسألة التعليم تهتم بالكم وليس بالكيف وتشغل الطلاب بمواد ثانوية لا تمت بصلة للمنهج الذي يساعد الطالب على استيعاب تخصصه بسهولة فلا يعقل ان تقحم طالباً يدرس تربية انجليزية بثماني مواد تدرس بالعربي بدعوى أنها «مطلوبات جامعة» فكيف يستوعب الطالب منهجه مع كل هذا الكم الاضافي من المواد.
ثقوب في المنهج
أما الاستاذة حليمة الشابي مديرة مدرسة ثانوية للبنات تقول عندما سألتها عن الاسباب وراء ضعف اللغة الانجليزية ان الضعف في الفترة الأخيرة شمل معظم المواد الاساسية وهذا يرجع لعوامل كثيرة لا تخفى على الجميع فتغير المنهج بصورة مستمرة وعدم أخضاعه لدراسات وبحوث علمية، يعد من الأسباب الرئىسية وراء التدني فالمنهج به العديد من الثقوب التي تحتاج لمراجعة شاملة آنية وسريعة في نفس الوقت حتى لا نفقد ما يسمى بالعملية التعليمية، فالتعليم شئ عظيم يرتقى بالأمم والشعوب ويساعد على نهضتها إذا ما كان موضوعاً بصورة علمية أما إذا أردنا ان نتحدث عن ضعف اللغة الانجليزية في هذا الكم من الضعف فنجدها هي الاكثر تأثيراً وذلك لعدم وجود رؤية وأضحة في صياغة مناهجها هذا بالاضافة إلى ضعف المدرسين الذين يدرسون المنهج فهؤلاء المدرسون معظمهم لم يخضع لتدريب، ففي السابق مثلاً يجد معظم المدرسين حظهم من التدريب وأن الجهات المسئولة تعطي هذه المسألة أهمية اكبر وتفتح لها «معاهد تربوية» تساعد المدرسين على أداء مهامهم وواجباتهم.
وتضيف: فمثلاً «معهد بخت الرضا» كان في الايام الزواهر للتعليم يخرج «001» معلم سنوياً وهم بكامل جاهزيتهم للعملية التدريسية ويتم هذا تحت اشراف خبرات عركتها التجارب في التدريس وتضيف: ولكن للاسف الآن لا توجد معاهد للتدريب ولا يحزنون بل ان كل الذي يحدث فيما يسمى بالعملية التعليمية، مسألة ضياع وقت ليس إلاًّ، فقلت له: برأيك ألا توجد مؤثرات أخرى على عملية التحصيل؟ فقالت: نعم هنالك مؤثرات عدة غير التي ذكرناها سابقاً فيمكن ان نقول ان التطور التكنولوجي له تأثير كبير في ضعف عملية الاستيعاب مثل الموبايل، فالآن أصبح كل طالب يحمل جهاز موبايل خاصاً به فكم يستغرق هذا الموبايل من وقت الطالب فلا شك انه يأخذ زمناً كبيراً وحتي أثناء اليوم الدراسي يستخدم الطلاب الموبايل بكثافة وهذا له تأثير كبير على عملية الاستيعاب فالطالب يصبح مشتتاً التفكير واثيراً للتقنية اكثر من المدرس الذي يلقى الدرس امامه ففي معظم الأحيان، نضبط حالات لطلاب يستمعون للاغاني اثناء «الحصة» عبر جهاز «MB3» بالموبايل فهذا هو الموبايل، فكيف إذا اضفنا له «اللاب توب» ومشاهدة التلفاز فكلها مؤثرات تؤدي إلى تراجع عملية الاستيعاب.
أرشاد أكاديمي
وفي ندوة حول الجودة الشاملة للتعليم بجامعة المغتربين قال بروفيسور «سيف الاسلام سعد عمر» ان هنالك فرقاً شاسعاً بين التجارب العلمية العالمية وجودة التعليم في الشؤون وذلك لان الجودة في العملية التعليمية تحتاج لعمل دؤوب يتفاعل معه جميع المجتمع الجامعي والمجتمع الخارجي ويضيف: فمؤسسات التعليم الآن تؤدي آداء واجب بدون قيمة للاتقان ويواصل حديثه قائلاً: فإذا اردنا ان نركز على مرتكزات للخروج بالتعليم لبر الأمان فلا بد ان نذكر بأن الطالب يحتاج للكثير من المتابعة بالاضافة لتطوير المنهج الذي يدرس ويضيف فالطالب يحتاج لارشاد اكاديمي وهذا دور اعتقد انه مفقود في معظم المؤسسات التعليمية بالبلاد وان يعطي أهمية خاصة فالعملية التعليمية لن تكون بخير إلا إذا عزمنا على التصحيح في زمن قياسي فالملاحظ ان هنالك مؤسسات تعليمية وجامعات لا تعطي قيمة للزمن، ويشير إلى ان من أسباب ضعف الطلاب وتردي مستوياتهم هي التقديم الخاطئ للطلاب لكليات لا يرغبون في دراستها ولكن نسبة القبول هي التي تأتي بهم إلى تلك الكليات فلا يعقل ان ننتظر تفوق طالب في مثل هذا الظرف ويضيف فالناظر لمعظم الطلاب بالسودان يجدهم يدرسون في كليات لا تتناسب مع رغباتهم وهذا له آثر سالب على العملية التعليمية.
مسألة التخصص
ويضيف ومن أسباب الضعف في العملية التعليمية ككل البيئة الجامعية الداخلية فهي غير مهيأة من حيث الكتاب والاساتذة، وقاعات الطلاب والمكتبات والمعامل والمختبرات فالناظر للبيئة الجامعية بالبلاد لا يخفى عليه التردي الحاصل بداخلها ويضيف: كي نرتقي بالعملية التعليمية من وضعها الضعيف هذا فلا بد ان يكون الكادر الذي يعمل بالجامعة متخصصاً في نفس المجال فعدم التخصص يتسبب في الكثير من الاشكالات التعليمية فلا يعقل ان تغيب مسألة التخصص ومن ثم ننتظر جودة فالجودة لا تحدث إلا إذا وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب، ويضيف فجودة أي عمل والارتقاء به من الضعف يحتاج لعملية تخطيط مكتوبة ورؤية وأضحة للمؤسسة تسير على نهجها تتبعها معظم الادارات التي تتعاقب على الجامعة أو المؤسسة التعليمية ويذهب إلى ان من العوامل المهمة في جودة التعليم عملية التقويم فالشائع ان الاستاذ يقوم الطالب ويسائله وتساءل قائلاً فلماذا لا يحدث العكس بأن يقوم الطالب الاستاذ فالعملية التعليمية الحديثة أصبحت تشاركية وأن زمن التلقين من اتجاه واحد قد ولى زمانه وعلى مؤسساتنا التعليمية ان تنتهج هذه العملية حتى تحقق الجودة المطلوبة،
إستخدامات جديدة
وفي ذات الندوة يقول البروفيسور «فريد بشير طاهر» استاذ الاقتصاد بجامعة الملك فيصل ان الاسباب التي أدت لتردي الطلاب وضعفهم في التحصيل الاكاديمي دخول استخدامات جديدة لوقت الطالب تتلخص في ثورة الاتصالات التي جاءت بـ «الانترنت» والموبايل، والتلفزيون، بالاضافة للقنوات العديدة فهي، أسباب لها تأثيرات سلبية على عملية التحصيل بالنسبة للطلاب في دول العالم النامي ككل وعلينا ان نتساءل كم من وقت الطالب تأخذه هذه الاستخدامات ويجيب قائلاً: أظنه وقتاً مقدراً يلهي الطالب عن مذاكرة دروسه تتجه للقراءات المقدمة عبر هذه المنافذ التقنية فمن الممكن ان تشغل صورة عادية بالانترنت الطالب المراهق جل الوقت وتجعله سارحاً في خباياها متناسياً واجباته الدراسية والاكاديمية سواء على مستوى التعليم الاساسي أو الجامعي فإذا أردنا عملية تعليمية جيدة فلا بد من اعادة صياغة هذه المؤثرات ووضعها في رقابة من الاسرة والمؤسسة التعليمية أو الجامعية ويشير إلى ان نفس المؤثرات حدثت في العالم المتقدم ولكن درجة التأثير لهذه القنوات في العالم المتقدم أقل وهذا يرجع لوعي الطالب في الدول المتقدمة وايمانه بأن العمل لن يأتي إلا بالجودة فسوق العمل العالمي يستطيع التمييز بين الغث والثمين بعكس سوق العمل المحلي الذي يعتمد على الواسطة وليست الكفاءة وبالتالي فالطالب لا يهتم بجانب تجويد تخصصه الاكاديمي طالما ان وظيفته محروسة له غير محسوبة وأختتم حديثه قائلاً فتقويم وإصلاح التعليم يتم عبر اقناع الطالب بأهمية جودة العمل ولن يتحقق هذا إلا حينما يكون سوق العمل «حراً» والفاصل فيه الكفاءة والمقدرة على اداء العمل بجودة عالية.
صياغة المناهج
ومن جانبه يقول د. صلاح الدين بابكر المصري : للارتقاء بالعملية التعليمية لا بد بأن نخضع أي معلم حتى ولو كان يدرس الطب أو الهندسة او الصيدلة لدورة تدريبية تدريسية في طرق التدريس وأيضاً معايير القبول تحتاج للمزيد من الجهود والمعالجات.
أما د. الرشيد ابو عاقلة يقول: لا بد من صياغة مناهج كليات التربية حتى يستقيم الامر ويضيف فكليات التربية الآن خاوية على عروشها ولا بد من صياغة مناهج جديدة تواكب الطفرة العالمية في عملية جودة التعليم.
وفي ذات السياق قال بروفيسور جامعي متحدث لم اتمكن من معرفة اسمه قال ان الجودة لن تتم إلا بالبحث العلمي وقال ان من اسباب تردي العملية التعليمية ان الاساتذة الجامعيين لا يبحثون ولا يقدمون أوراقاً علمية فهؤلاء في العالم المتقدم لا يستعان بهم.
يوسف محمد زين :الراي العام