تنطلق جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا في افتتاح رسمي بالتزامن مع العيد الوطني للمملكة العربية السعودية في 23-9-2009، ضمن خطة وطنية شاملة للعلوم والتقنية كما يكشف رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم في تصريحات لـ”العربية.نت”، فيما أكد أحد أبرز علماء تحلية المياه أن الجامعة سوف تعمل على تطوير تقنيات جديدة في مجال تحلية المياه المالحة، وتحويل رمل الصحراء وأشعة الشمس إلى تقنيات مستخدمة وطاقة جديدة للحياة.
وتتميز الجامعة بأنها تسمح بالاختلاط، في سابقة هي الأولى من نوعها في نظام التعليم بالسعودية، وهو ما يحظى بترحيب عدد من الأكاديميين السعوديين الذين سبق لهم أن دعوا إلى الاختلاط من أجل تحقيق التنافس العلمي بين الرجل والمرأة، في وقت أكد فيه مستشار بارز في شركة “أرامكو”، التي قامت بتنفيذها، أن قيادة المرأة للسيارة داخل حرم هذه الجامعة قد يصبح حقيقة في المستقبل كما يحصل في “أرامكو” الآن.
أبرز مهام الجامعة
وتحمل الجامعة اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتقع شمال مدينة جدة على البحر الأحمر، وكان الملك عبدالله قد أعلن عن إنشائها في23-7- 2006 في حفل أهالي الطائف، ووضع حجر الأساس لها في 21-10- 2007.
وتبلغ تكلفة الجامعة 10 مليارات ريال، وعهد بتنفيذها إلى شركة أرامكو السعودية على مساحة 36 مليون متر مربع، وشاركت في وضع تصاميمها الهندسية مجموعة من الشركات المحلية والعالمية
وتقدم الجامعة للطلاب المتخرجين أحدث ما يوجد في العالم من دراسات متقدمة في العلوم والتكنولوجيا، مع تجهيزات من أحدث الموجود عالمياً ومختبرات غير متوافرة في أكبر جامعات الولايات المتحدة. كما تلعب دوراً بارزاً في انفتاح أكبر في المجتمع السعودي، نظراً لسماحها بالاختلاط، واستقطابها لجنسيات من مناطق مختلفة من العالم.
ومن أبرز المهام الملقاة على عاتق الجامعة في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، تحويل أشعة الشمس من مصدر حرارة غير مستغلة إلى مصدر وفير للطاقة المتجددة، وتحلية المياه المالحة وتحويل الرمال الصحراوية إلى تقنيات، والنباتات الصحراوية منخفضة الغلة إلى محاصيل غذائية عالية الغلة.
وتقدم الجامعة 9 برامج من برامج الدرجات العلمية: الرياضيات التطبيقية وعلوم الحوسبة، العلوم البيولوجية، الهندسة الكيميائية والبيولوجية، علوم الكمبيوتر، علوم وهندسة الأرض، الهندسة الكهربائية، علوم وهندسة البيئة، علوم وهندسة مواد، والهندسة الميكانيكية.
السويل: خطة وطنية
وفي حديث لـ”العربية.نت”، قال د.محمد ابراهيم السويل، رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية إن “الملك عبدالله يريد من جامعة العلوم والتقنية أن تكون دار حكمة العصر الحديث كما كانت (دار الحكمة) تلك المؤسسة التي أنشأها الخليفة أبوجعفر المنصور وأكملها من بعده الخليفة المأمون الذي أعطاها دفعة قوية صاحبتها نهضة علمية كبرى, حيث شكلت تلك الدار منعطفاً مهماً في هذا المجال وحفلت بالعديد من العلماء البارزين، منهم على سبيل المثال الخوارزمي الذي كان من أوائل علماء العالم في مجال الرياضيات”.
وأضاف أن “جامعة الملك عبدالله تأتي في مصاف الجامعات العالمية بما يتوفر لديها من إمكانيات وتجهيزات وإدارة للنهوض بقطاع العلوم والتقنية”.
وكشف السويل أن الجامعة “سوف تشكل إضافة مهمة للخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية، فهي من الجهات المشاركة في الخطة، كما أنها متواجدة ضمن اللجنة الإشرافية التي تعمل في إطار الخطة الخمسية الأولى للعلوم والتقنية”.
وقال “وقعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مذكرة تفاهم للتعاون بين المؤسستين وتستعد المدينة والجامعة لعقد ورشتي عمل قريبا، إحداهما في الرياض والأخرى في جدة، تعالجان قضايا سياسات وسبل دعم البحث العلمي ومهارات إدارة البحث العلمي”.
يذكر أنه عند افتتاح الجامعة في سبتمبر 2009، بلغ عدد الطلاب الذين قبلتهم 817 طالبًا يمثلون 61 دولة, وبدأ 374 طالبًا من هذه المجموعة الدراسة فعليًا، فيما سيتم تسجيل بقية المجموعة في الجامعة اعتبارًا من عام 2010.
ويمثل طلابها 161 مؤسسة جامعية من مناطق كثيرة من العالم. وتلقت 7187 طلبًا من الطلاب الراغبين في التسجيل.
وتأتي المملكة في المقدمة والأعلى تمثيلاً بين الدول في الدفعة الافتتاحية، بنسبة 15٪، والصين 14%، والمكسيك 11٪، والولايات المتحدة 8%.
ويستطيع الطلاب الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه في مجالات الدراسة التسعة.
ومن بين دفعة 2009 الافتتاحية سوف يسعى 44 طالبًا للحصول على درجة الدكتوراه، فيما يسعى 330 طالبًا للحصول على درجة الماجستير، أما أكثر المجالات التي اختارها الطلاب المسجلون للدراسة في 2009 فهي: علم الحاسوب (21٪)، الهندسة الكيميائية والبيولوجية (13,1٪)، الهندسة الكهربائية (12,5٪)، الهندسة الميكانيكية (10,4٪).
الغامدي: وداعاً لأزمة التحلية
وعلى صعيد متصل، قال د.عبدالله الغامدي رئيس مركز أبحاث المياه في جامعة الملك عبدالعزيز لـ”العربية.نت” إن “ما يميز الجامعة هو أنها عالمية وتم اختيار أساتذتها من مختلف دول العالم والقبول فيها مفتوح لمختلف الطلاب من أنحاء العالم، وتركز على الدراسات العليا والبحث العلمي في المجال التقني وليس التخصصات النظرية، وهذا ما نحتاجه الآن، مع الدعم المالي الكبير وهذا سيكون مصدر دخل مستمر للجامعة، وهو أمر مهم لأن مشكلة الجامعات في الوطن العربي والعالم الثالث أنه لا يوجد دعم مستمر للأبحاث”.
كما أشار إلى أهمية أن الجامعة خارجة عن القيود باعتبارها “جامعة خاصة لها هامش حرية أكبر من الجامعات الحكومية في الأنظمة المالية والإدارية”.
وأضاف “الجامعة نقلة نوعية لأنها تهتم بأمور البحث العلمي الموجود في جامعات السعودية عبر البكالوريوس فقط، لكن هذه الجامعة تركز على الدراسات العليا”.
وتابع “الأمر ينعكس أيضا على الاقتصاد، وأقصد اقتصاد المعرفة لأنه إذا توافرت المعرفة نستطيع أن نصنّع وأن نبيع هذه المعرفة التي أصبح لها قيمة من خلال إنتاج مخترعات جديدة، خاصة في مجال تحلية المياه الذي تحتاجه المملكة بشكل كبير، والمجالات الطبية كذلك”.
وأكد الغامدي أن “الجامعة سوف تعمل على تطوير تقنيات جديدة في مجال تحلية المياه المالحة، لأن في السعودية عجز بالمياه وتقنية التحلية الحالية مكلفة وتحتاج إلى صيانة مستمرة، ولو تم تطوير تقنية جديدة بالتأكيد ستسهم بشكل كبير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمملكة”.
وأضاف “يمكن الاستفادة من الرمال الصحراوية في إنتاج شرائح الكمبيوتر التي تعتمد على السيليكون الذي يؤخذ من الرمال وهي متوافرة كثيرا، ولذلك لدينا ثلاثة أشياء أسياسية متوفرة بكمية كبيرة ويمكن أن تكون مصدرا للتقنية وتنمية الاقتصاد وهي الشمس والصحراء والبحر، الشمس للطاقة، والصحراء لانتاج شرائح الكمبيوتر حيث إن كل التقنية في الجوالات والأنظمة الالكترونية تعتمد على شرائح السيليكون”.
يذكر أن الباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة من السعودية ومختلف دول العالم يعملون وفق حرية أكاديمية متاحة، وفي حرم جامعي مزود بأحدث المرافق ومركز للابتكار ومجمع للبحوث.
وتضم المجموعة الأولى من باحثي جامعة الملك عبدالله 12 عالما من 6 دول. وقد تلقى هؤلاء العلماء والمهندسون أصحاب المستوى الرفيع منحًا فردية مدتها خمس سنوات لدعم البحوث في أمور واسعة من القضايا التي تهم المملكة العربية السعودية والمنطقة والعالم.
ترحيب بالاختلاط
وفي السياق، رحب الأكاديمي السعودي ابراهيم عباس نتو، عميد شؤون الطلاب سابقا في جامعة البترول والمعادن في الظهران بالاختلاط الحاصل في الجامعة.
وقال في حديث لـ”العربية.نت”: “أتصور أن وجود اختلاط في الجامعة سيترك تأثيرا إيجابيا على الجو الأكاديمي، في البحث والنشر والاحتكاك بمعنى المنافسة في المستوى الأكاديمي، وهذه الأشياء سوف تصبح أفضل بوجود تنافس بين الرجل والمرأة.. وحتى الاحترام للآخر وهو المرأة يتحسن كثيرا، وأتمنى أن تصبح الجامعة مثالا يحتذى، لأن عدم الامتزاج (الاختلاط) برأيي يؤدي إلى انفصام اجتماعي”.
وأضاف “هذه الخطوة تعزز التنافس العلمي والأكاديمي، وأنا ضد كلمة اختلاط، وأحاول أن أتحاشى هذه الكلمة منذ سنوات طويلة لأنها كلمة ملغمة، بل هي امتزاج وتمازج وتعايش وحياة طبيعية”. واستطرد بأن “نصف المجتمع لا ينبغي أن يكون منفصلا عن نصف المجتمع الثاني”.
ويضيف أن “الوضع الطبيعي لتواجد طلابنا وطالباتنا جنبا إلى جنب في قاعة المحاضرات بدءا بجامعة الملك عبدالله وفي مكتباتها وكافترياتها ومواقع المنافسة وفي معامل البحث”.
وقال “مما يجدر ذكره هنا أنه إضافة إلى الفوائد العديدة النفسية والاجتماعية بل وأيضا السلوك الشخصي الراقي المتمدن المهذب نتيجة التمازج، فهناك أيضا الأداء الأكثر فاعلية (الإداري والمالي) إذا ما تم التخلص من ازدواجية الانفاق عند إقامة مكتبتين ومصليين وصالتي طعام الخ.. إضافة لقاعات المحاضرات مضروبة باثنين”.
أرامكو.. وفكرة دمج ثقافتين
ومن شركة “أرامكو” المنفذة لمشروع جامعة الملك عبدالله تحدث عبدالرحمن الربيش المهندس والمستشار في الشركة لـ”العربية.نت”، معتبراً أن “موضوع بناء الجامعة ليس هو المهم، وإنما الأهم هو بناء المواطن السعودي من خلال مثل هذه الجامعات”.
وأوضح “فكرتها إن كُتب لها النجاح سوف تكون رائدة جداً، لأن طبيعة المجتمع عندنا مغلقة وإذا نظرنا إلى عدد الطلاب مقارنة بدول ثانية مثل أمريكا سنجد أنها هناك عالمية، بينما في السعودية 95% سعوديون و5% من غير السعوديين، ولذلك الفكرة التي وضعتها أرامكو لهذه الجامعة تختلف تماما لأنها تعتمد على استقطاب كفاءات من الطلبة الموهوبين والمدرسين، وهذه الفكرة تخلق بيئة جديدة في السعودية والناس غير معتادين عليها لأنها ليست دراسة وإنما جرعة من ثقافتين مختلفتين من التحصيل والبحث والحياة العملية”.
وأضاف “أعتقد أن أرامكو انتهى دورها هنا، ولاحقا علاقتها بالجامعة ستكون محدودة. الشيء المهم ما أضافته أرامكو للجامعة وهو زراعة أفكار جديدة ليست موجودة في الجامعات السعودية وهي فكرة جامعة عالمية”.
وقال الربيش “زراعة أفكار جديدة مثل فكرة العالمية هي من وضع أرامكو حيث سيكون فيها 70 جنسية وهذا يعني 70 ثقافة مختلفة من أناس موهوبين، ولديهم ما يُقدم للإنسان وليس للسعودية فحسب، علما أن الفريق الذي وضع هذه الافكار معظمه من السعودية من أناس مؤمنين ببناء الإنسان”.
وفي ذات السياق، أكد الربيش أن “فكرة عدم التفرقة بين الرجل والمرأة ليست جديدة في الجامعات السعودية، فهناك كليات الطب التي فيها اختلاط ولكن إلى حد ما، لكن أعتقد عدم التفرقة بحيث إن المرأة تقدم كما يقدم الرجل، يظهر جليا في هذه الجامعة التي جعلت المجال مفتوحا أمام الاثنين معا”.
وأضاف “في المملكة، أرامكو ليست مصدرا ماليا فقط ولكن هي مصدر للتطور في نواح أخرى، وفيها يمكن للمرأة أن تقود السيارة داخل بناء الشركة، ولكن ليست لدي معلومات بعد إن كان هذا سيحصل داخل الجامعة، وأتمنى ذلك”.
وختم بالقول “أعتقد أن الجامعة ستنجح في أمر نجحت فيه أرامكو في مجال الأبحاث خاصة في المنطقة العربية عبر استغلال الثروة مع العقول مع البيئة المناسبة وانتاج اختراعات تفيد البشرية عموما”.
مساجد ومسابح
ومن اللافت أيضا أن الجامعة تقدم أجواء مناسبة تساعد على الابداع، فمن شاء أن يصلي فهناك المسجد، ومن رغب بالسباحة سوف يعثر على المسابح. وفي الجامعة توجد الملاعب ودور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس، بالإضافة للخدمات الترفيهية مثل المطاعم وملعب للغولف وملاعب للتنس والشواطئ وأحواض سباحة، ومارينا.
وتضم الجامعة 25 مبنى منها أربعة مراكز للأبحاث العلمية بمساحة تتجاوز 500 ألف متر مربع، ويتخلل المباني ممرات بحرية تقوم بتنفيذها وتطويرها شركات عالمية تتولى كذلك تنفيذ وتشغيل مولدات الكهرباء وأبراج التبريد التي يتجاوز عددها خمسة أبراج كبيرة ستستخدم في تبريد المباني بشكل كامل.
كما يوجد خمس مدارس للتعليم العام ومدرسة عالمية ومستشفى يخدم المدينة الجامعية ومرفأ بحري ومنطقة للقوارب الشاطئية ومسجدان تم تصميمهما بشكل يجمع بين الحداثة والأصالة ويستوعب الأول حوالي 1500 مصل والثاني 500 مصل.
وتقدم جامعة الملك عبدالله منحة لمدة 5 سنوات لدعم 4 مراكز لشراكة البحوث العالمية تضم مختلف التخصصات، في ستانفورد، وتكساس إيه آند إم، وكورنيل، وأكسفورد. وهي تنفذ أعمالاً بارزة في مجال الخلايا الضوئية الجزيئية، والعلوم الحاسوبية، والمواد متناهية الصغر.
وسوف تركز مراكز الأبحاث الأولى في جامعة الملك عبدالله على المجالات التالية: الحفز الكيميائي، العلوم الحيوية الحاسوبية، النمذجة الهندسية والتصوير العلمي، الأغشية، جينوميات الإجهاد في النبات، الطاقة الشمسية والطاقة البديلة للعلوم والهندسة، علوم وهندسة البحر الأحمر، الاحتراق النظيف، المواد المركبة والمتناهية الصغر، الاستشعار الأرضي وتحت سطح الأرض، مركز أبحاث كيمياء النانو، تكنولوجيا التراهرتز، تحلية المياه وإعادة استخدامها.
وقد دخلت الجامعة، حتى الآن في شراكات مع معهد “وودز هول لعلوم المحيطات”، المعهد الفرنسي للبترول، جامعة سنغافورة الوطنية، جامعة هونغ كونغ للعلوم والتقنية، الجامعة الأمريكية في القاهرة، جامعة ميونيخ التقنية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، جامعة كاليفورنيا في سان دييغو.
كما دخلت في شراكات مع القطاع الخاص مثل: مركز أبحاث شركة جنرال إلكتريك العالمي، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، شركة أرامكو السعودية، وشركة آي بي إم.
العربية نت