أتصور أن أول من استوعب درس (الربيع العربي) هو المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، فرغم أن حزب النهضة الإسلامي الذي يديره قد أحرز أغلبية انتخابية، إلا أنه ارتضى أن يجعل على سدة الحكم رجل يساري جهير السيرة هو الرئيس المرزوقي، وفي مرحلة لاحقة ارتضى النهضويون التونسيون أن يكونوا أقل مشاركة في الحكومة وهم يتنازلون إلى قوى ليبرالية وعلمانية عتيقة..
*الشيخ الغنوشي أهدى (إخوان مصر) في وقت مبكر نصيحة غالية بأن لا يستحوذوا على كل المشهد السياسي، كأن يجعلوا اليساري الناصري السيد حمدين صباحي رئيساً للجمهورية، ثم يذهبوا بأغلبيتهم البرلمانية إلى ترسيم المشهد تدريجياً، هذا ما لم يفعلوه ويدفعون ثمنه الآن غالياً تقتيلاً وتنكيلاً وتشريداً.
*مالم يدركه (إخوان مصر) أدركه بحصافة إخوان (خالد مشعل) وهم يقبلون بمشاركة قاسية في المشهد السياسي الفلسطيني، مشاركة تبدو على حساب أجندتهم التاريخية في المقاومة وحق العودة والمفاوضات.
* فبحسب قراءات منطقية إن هذا هو التوقيت المناسب الذي يجب أن تصغي فيه القضية الفلسطينية سيما في شقها الجهادي، فدعك من الأوربيين والأمريكيين، فدول المنطقة العربية هي التي ترفع الآن بقوة شعار: (استئصال الحركات الإسلامية)، حدث ذلك في مصر ويحدث الآن في ليبيا والبقية في الطريق! ويتم كل ذلك وسط صمت دولي مريب.
* فقبل أن يحكم على حماس بأنها (جماعة إرهابية)، أصبحت الآن ضمن (العملية الشرعية الحكومية الفلسطينية)، وحماس تمتلك من الحنكة والحكمة ما يؤهلها للتماهي والانحناء حتى تمر هذه العاصفة الهوجاء..
*لم تكن جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية التي التحقت أمس بالعملية السياسية الجزائرية آخر (الحركات الإسلامية) التي تنحني للعاصفة، على أن الدرس المصري كان باهظ الكلفة، بل يمثل محطة فارقة في تكتيكات الحركيين الإسلاميين.
*ولعمري هذا هو مفتاح القراءة المنطقية لعمليات (تقارب الإسلاميين السودانيين)، فتأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً.. وإذا افترقن تكسرت آحادا..
*فلا غرو أن الدكتور حسن الترابي الشيخ التاريخي للحركة الإسلامية السودانية، والذي يرقد على تاريخ تراكمي تكتيكي من لدن (حركة الإخوان) مروراً بالاتجاه الإسلامي، ثم (الميثاق) والجبهة الإسلامية وصولاً لهذه المؤتمرات، هو بامتياز صاحب الخبرة الأعظم بين رصفائه في المنطقة بأكملها، وربما كان صاحب خارطة الطريق التي جعلت الآخرين في المنطقة يلتحقون بالحكومات حتى تمر العاصفة.!
*لم تيأس بعض الدول الخليجية وستجدد أملها بعد وصول الجنرال السيسي إلى حكم مصر، لم يقنطوا من عملية حمل جامعة الدول العربية بأكملها إلى جعل (الإسلاميين) (جماعة إرهابية) ومن ثم تشرع في عمليات الحرب عليها.
*ويتجدد السؤال المقلق.. هل كان (الربيع العربي) دراما متقنة لبروز الإسلاميين في المنطقة، ومن ثم إعلان الحرب عليهم.!؟
*يحتاج الإسلاميون في المنطقة إلى استيعاب المرحلة، ومن ثم تجديد خطابهم وتغيير آلياتهم، وأنهم في عصر الاستضعاف والاسترهاب الأممي سيخسرون كل شيء .. والله أعلم.
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]