إنتي شايلاني غلط يا عشة

[ALIGN=CENTER]إنتي شايلاني غلط يا عشة !![/ALIGN] (الحوّامة) و(الكوّاسة) مترادفتان لصفة واحدة تلتصق بمن تكثر الخروج من بيتها، وتعرّف المرأة الحوّامة بأنها مجاملة من الطراز الأول لا تفوتها مناسبة دون أن تسجل فيها حضورا وتنشط للمجاملات في الحلوة والمرّة، ودائما ما تكون ملمة بأخر أخبار الموضات وحركة الأسعار في الأسواق .. من أسعار التياب والملايات وإلى كيلو الطمام وربطة الجرجير، وفوق ذلك فهي عليمة بأماكن البيع الرخيص والدفع المريح، وخبيرة بخطوط المواصلات والهايس والحافلات ومسالك دروب الرقشات، وقد لوحظ أن المرة الحوامة غالبا ما تكون داخلة في كم صندوق .. طبعا لضمان إمدادت تمويل الحركة ..!!
وعموما لا تعتبر الحوامة صفة سالبة في كل الأحوال فلها مزايا لا ينكرها إلا جاحد، فهي على سبيل ضرب المثل وليس الحصر: تساعد على خفة ورشاقة من تتصف بها لكثرة حركتها والمشاوير التي تقطعها كداري، كذلك تقي كثرة الحوامة من أمراض الكسل والنوم وتبعدك عن شيل الهموم، وتنتفي عن الحوّامة تهمة الخمالة.
انتقلت أمي من كنف (جدي) بما عرف عنه من صرامة وصعوبية، إلى وصاية (أبي) الأكثر صعوبية، فكانت لا تغادر البيت إلا من الحول للحول ولـ (الشديد القوي) وفي رفقة مأمونة، ولنا قريبة من متخذات الحوامة منهج حياة، لذلك كانت كلما حضرت لزيارتنا من الجزيرة تقوم بتحريش (أمي) وملأ رأسها بأفكار التمرد وتراودها بالعصيان المدني:
هووي يا عشة .. أخير ليك تدخلي وتمرقي زيك وزي باقي النسوان .. يعلم الله الحبسة دي ما كويسة عليك .. تمرضك وتكسرك وتخلي عضامك تسوس من قعاد الضل وتقعدك في نص العنقريب ..!!
وعندما جاءت مرة لزيارتنا مع ابنها الصغير (حمودي)، طلبت من (أمي) بعد تناولهن الفطور ان تترافق معها لزيارة بعض اقربائنا الذين كانوا يقيمون في واحدة من حارات الثورة الجديدة، حتى ترشدها للطريق، نسبة لأن (أمي) كانت قد قامت بزيارتهم من قبل في صحبة (أبي) ..
خرجت الاثنتان مع الصغير ولم تعودا ألا في المساء مهدودات الحيل، عندما أحضرهم قريبنا بسيارته، فقد تاهن لعدة ساعات خيطن فيها دروب الثورات حارة .. حارة مشيا على أقدامهن، قبل أن يصلن لمقصدهن بالصدفة البحتة، وما ذاك إلا لان أمي ببساطة (راح ليها الدرب) ولم تستطيع التميز بين السابعة والتاسعة ..
بعد حصولهن على بعض الراحة والانجقادة تبارت الاثنتان في الحكي عن روحتهن الكاربة ومعاناة الصغير، الذي أجهده طول المشي على قدميه فأنساه برتوكولات مخاطبة الكبار فكان ينادي على (أمي) لتحمله عندما تتعب أمه من حمله وتنزله ليسير على قدميه:
عشة .. شيليني يا عشة .. أنا تعبتا شديد.
فتفعل، وعندما تتعب بدورها من حمله وكثرة المشي، ينزلق الصغير من جنبها وتتدلدل رجليه إلى الأرض فيحتج عليها:
عشة ياخ شيليني صاح .. إنتي شايلاني غلط يا عشة !!
لامتنا قريبتنا يومها على عدم إهتمامنا بمحاولة (دردحة) أمنا وتعليمها الدروب والمواصلات، كي تستطيع الخروج والمجاملة دون الإعتماد على أبي الذي لا يكون متفرغا لتوصيلها في كل مرة:
الكلام ده أعوج عليكن يا بنات .. أمرقن أمكن دي خلوها التشوف الدنيا وتطقها الشمس دي حبة …
لا أختلف عن (أمي) عليها الرحمة في كل ملابسات ظروفنا الحياتية !! فأنا لا أعرف الدروب والمواصلات ولا أحب الحوامة ولا الخروج من البيت من أساسو .. عشان ما تمشوا تقولوا الراجل حابسني وحاميني المرقة !!
اضطرتني الظروف ذات مرة لإستعمال المواصلات عندما كنت ارغب في الذهاب لإدارة جامعة الأزهري في بحري قبل فترة .. طلبت من (زولي) أن يوصف لي المكان فنصحني أن لا اجتهد كثيرا، وأن أركب حافلات بحري وستقف بي جوار الجامعة وقد كان .. كنت أشعر بثقة عالية في النفس طوال فترة ركوبي في الحافلة وإن كنت (اتلفت) زي الفاكنو بي ضمانة وما مصدق، حتى مالت علي واحدة ضمن مجموعة حريم مترافقات لبيت بكا، سألتني قبل أن نصل لـ اللفة البتودي لشارع سعد قشرة:
نحنا نازلين السامراب .. خلاص وصلنا ؟
طبعا وجدتها فرصة سعيدة للتجدّع واستعراض معرفتي بالدروب، فكما اسمع أن السامراب دي بتقع في طريق الخوجلاب – مش اللحن والقافية بتاعتم متشابهة يبقى لازم يكونوا جنب بعض – حيث يقيم بعض من أهلنا .. أجبتها بثقة شديدة:
لا لا لا .. السامراب دي بعيدة شديد من هنا .. اتخيل لي بركبوا ليها حاجة تانية !!
وما اذهلني أنها تجاهلت كلامي في استخفاف وتجاوزتني لسؤال الكمساري، الذي أكد لها (ياها السامراب) وطقطق للسواق ليقف لهن وسط دهشتي ودوران رأسي الشديد .. وبعد رجوعي للبيت بالسلامة سألت (سيد الإسم):
انت السامراب رحّلوها جنب سعد قشرة ؟!!
فظن بعقلي الظنون حتى حكيت له موقف الكمساري مع النساوين، وكيف انه انزلهن في (سامراب جديدة) تقع بالقرب من شارع سعد قشرة!! .. فتبرع بشرح الحصل، وهو لابد أن السيدات كانن يقصدن (موقف مواصلات السامراب) الذي يقع بالقرب من ذاك المكان.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version