*تمكن الزميل المبدع الزين عثمان من تقديم (التجربة الليبرالية السودانية)، نسخة الأستاذة ميادة سوار الذهب، إلى منصة (المحكمة الفكرية المهنية)، وذلك عبر طرح كل الاستفهامات التي تدور في أذهان الجماهير، ثم استقبال دفوعات أهل (البيت الليبرالي) ليترك للقارئ الحصيف في نهاية المطاف عملية إصدار الحكم على التجربة برمتها، قبولاً واستحساناً، رفضاً واستدباراً، تعاطفاً وتماهياً واستقبالاً.
*المدرسة الليبرالية في السودان قديمة جداً قدم الاستعمار البريطاني، الذي ذهب وترك تلامذة ومريدين له في مفاصل الدولة والأحزاب والمجتمع، غير أن تلك المجموعة من الآباء المؤسسين بالاستقلال وبناء الدولة الوطنية، لم يؤسسوا حزباً خاصاً بهم كلبراليين سودانيين، وإنما تمكنوا من قيادة الحزبين الكبيرين في هذا الاتجاه، بحيث لم تكن المدرسة الطائفية السياسية التي سيطرت على الحياة الفكرية فيما بعد إلا امتداداً للتجربة الليبرالية البريطانية على الأقل في الثقافة البريطانية والدستور والحريات بحيث لم تركب الطائفية قاطرة الدين (الجمهورية والصحوة الإسلاميتين)، إلا بعد ظهور لاعبين جدد ممثلين في تقاطعات اليسار واليمين، بحيث لم تكن عمليات التماهي مع الدين مجدية في ظل اقصاء كامل للنهج الإسلامي من قبل اليسار السوداني، وفي المقابل من قبل تبني شامل لأطروحة الإسلام هو الحل من قبل الإسلاميين السودانيين.
*فعلى الأقل منذ أن أراق الرئيس جعفر نميري الخمور في نهر النيل، ومن ثم أتى بالثلاثي (النيل أبو قرون وعوض الجيد وبدرية سليمان) لصناعة قوانين إسلامية، اختلف الناس أو اتفقوا حولها، منذ ذلك الوقت أصبح (الدين) مادة أساسية في امتحان الشهادة السودانية الحزبية بحيث لا تمنح شهادة للذين يسقطون في هذه المادة الأساسية.
*والحال هذه، لم تملك المدرسة اليسارية السودانية جرأة الوقوف في وجه القاطرة الجماهيرية الضخمة، ولكنها تدارت دائماً وراء مسوغات (تشوهات التطبيق) ومن ثم المطالبة بإبعاده لا بتطبيقه بصورة أفضل!
*أنفقت كل هذه المقدمة المرهقة للوصول لهذه الحتمية التي استوعبها جيداً الزميل الزين، وهو يدفع في وجه الأستاذة ميادة سوار الذهب بمسوغات ومبررات (زراعة دولة علمانية في بيئة ومجتمع متدين)، وكانت دفوعات السيدة ميادة بأن الدين سلوك شخصي مكانه ردهات المجتمع وليس منصات ودواوين الحكومة..
*على أن الأحزاب الليبرالية حديثة التشكيل لم تسلم هي الأخرى من عمليات الانشقاقات التي ضربت كل مسرحنا السياسي، فالليبراليون بحسب هذه المقابلة في طريقهم إلى التشكيل في ثلاثة أحزاب!
*ثمة ملاحظة، أن اليساريين السودانيين الذين يسكنون في مفاصل معظم الأحزاب لدرجة (الروماتيزم)، لم تسلم منهم حتى الأحزاب الليبرالية، والزميل الزين يسأل عن شيوعيين في صفوف الليبراليين، والأستاذة ميادة تؤكد ذلك (أمانة ما وقعتوا وقعة)!
*طربت جداً لهذا اللقاء من الناحية المهنية العالية، أما عن مستقبل المدرسة الليبرالية في السودان، يحتاج لبعض الوقت والجهد للحكم عليه، على أن هذه المدرسة تخزلها (العقيدة) القتالية والنضالية، فلليسار عقيدة ولليمين عقيدة، وهي التي توفر (الغبينة الفكرية) لدرجة الموت والاستشهاد دونها.. وليس هذا كل ما هناك..
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]