*والحكاية المرعبة يحكها خطيب مسجدنا خلال الجمعة الأخيرة، وحسناً يفعل الرجل الخطيب وهو يخاطب قضايا الجماهير الآنية، ولا يستدعي في الغالب قصص التاريخ كما يفعل الكثيرون.
*تقول رواية الخطيب “إن جماعة من جماعات النيقرز المتفلتة قد أوقفوا شاباً أمام بيته وهو يهم بالدخول، فسألوه عن الساعة، فما إن أخرج هاتفه الجوال ليقرأ عقارب التوقيت حتى فاجأه أحدهم بخطف الهاتف من بين يديه، ثم أشهروا أسلحتهم البيضاء، فقال كبيرهم أقتلوه! ولما شرعوا في ضربه خرج والده من المنزل ففروا هاربين، غير أن الوالد الذي أتي بسلاحه قد ذهب في عملية مطاردتهم، فتمكن من تعطيل أحدهم بإصابته في رجله ومن ثم دفعت الواقعة بتفاصيلها إلى محاضر الشرطة لتنضم إلى أضابير عشرات القصص المشابهة التي تروى يومياً”!
*انتهت خطبة الشيخ الإمام فقوموا إلى إعادة قراءة هذا الحدث ثانية بشيء من التأني لأجل الاعتبار ورص صفوف الأجهزة الأمنية والعدلية واستوائها، وإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج.
*بطبيعة الحال لا يقول قائل بأن تضع الشرطة حارساً أمام كل بيت، بل أتصور أن الانتشار الحالي للشرطة جيد إن لم يكن ممتازاً، فضلاً على أن (ثلاث تسعات) متاحة متى ما طلبت.
*غير أن عمليات الانتشار وإن كانت ترسل رسائل اطمئنان بين أوساط المجتمع، إلا أن الانتشار وحده لا يصنع (هيبة للدولة) ولا رهبة للحكومة، إذ أن الأجهزة الشرطية تنتهي واجباتها وفعالياتها عند القبض والتحقيق والتحفظ، وهي تقوم بهذه الأدوار بكفاءة عالية جداً.
*إلا أن صناعة الهيبة تكمن في إنزال الحكم العاجل والرادع معاً، إذ أن الحكم الرادع الذي يتخلف شهوراً بأكملها حتى ينسى الناس والرأي العام تلك الجرائم المروعة لا يجدي فتيلاً، نحتاج لحزمة حسم وردع تحدث دوياً في المجتمع فتجعل المجرم يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على ارتكاب جريمة.
*فقبل أن ننشر الأفراد والدوريات في قارعة الطرقات، ننشر هيبة الدولة وسطوة القانون التي تجعل الجناة والمجرمين يرتجفون وهم في بيوتهم، وأتصور أن هذا هو روح النص القرآني المقدس (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب).
*حتى أن أحد المستشرقين البريطانيين قد قال إنه لم يستوعب كيف يكون في القصاص حياة، إلا بعد أن قدِّم قاتل بريطاني للمحكمة للمرة العاشرة، فانتبه الرجل إلى أن بريطانيا لو كانت تحتكم إلى شريعة المسلمين التي تقضي بقتل القاتل، لكتبت الحياة لتسعة مواطنين بريطانيين والسؤال هنا, دعك من بريطانيا، فهل المسلمون في ديار الشرق الإسلامي يحتكمون إلى شريعة اسلامهم!
*وننتهي هنا إلى هذه التساؤلات المقلقة، هل العيب في قانوننا أم في عمليات التقاضي وإنزال الحكم الرادع غير الأجل؟ ولاسيما أن جرائم (قطع الطريق) وترويع المواطنين وإشاعة الذعر والترويع والفوضى، أتصور أنها سهلة الإثباتات والحيثيات.
*سيدي الدكتور الخضر، تكمن خطورة هذا الأمر في أن ولاية الخرطوم في ظل (حروبات الهامش) ستصبح لا محالة سوداناً مصغراً مليئاً بأهل (الثأرات والمرارات والإسقاطات)، فضلاً على عمليات الانفتاح والحريات المرتقبة.
*كل ذلك يحتاج لصناعة (هيبة للدولة) وسطوة وهبة للقانون.. والله نسأل الأمن والإيمان والسداد..
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]