نتحدث عن التطور والرفاهية والتنمية.. ويرتفع سقف أشواقنا وتطلعاتنا نحو بلد متحضر ونظيف ومنظم.. نعقد المقارنات ونعرب عن استيائنا كوننا لم نلحق بركب الأمم المتقدمة، وظللنا نرزح تحت وطأة الجهل والمرض والتخلف! كلنا بارعون في الحديث عما يجب أن نكون عليه وماهو كائن فعلياً.. وفي انتقاد الأوضاع والسلوك وسرد الحكايات الطويلة الممجوجة عن أخطاء الآخرين وتقصيرهم وما نعانيه من تردٍّ في الخدمة المدنية وسياسات الحكومة العقيمة ونظريات الاقتصاد الفاشلة و.. و..!
كل هذا.. دون أن نلتفق إلى ذواتنا.. ودون أن نحاسبها ونسعى لتقويم اعوجاجنا الداخلي.
دون أن نتساءل إلى أي مدى نساهم في إجمالي الأوضاع غير المرضية التي نحياها!!
إلى أي مدى تطالنا يد التقصير وموت الضمائر وفساد النفوس.. إلى أي مدى يرتكب أحدنا الكثير من الأخطاء ويتبع الأساليب الملتوية ويعجز عن تمام القيام بما أوكلت إليه من مسؤوليات كل حسب موقعة مهما تفاوتت درجة الأهمية والتأثير؟!
إن أزمتنا الحقيقية ليست أزمة حكومات ولا دخل قومي ولا إنتاج ولا غلاء ولا فساد وغيرها.. أزمتنا الفعلية أزمة ضمير وإنسانية وثقافة وسلوك!!
أزمتنا أزمة حسد وحقد وكراهية غير مبررة ومحاولات مستميتة للنيل من بعضنا البعض.. خلافات جانبية.. شخصنة للوقائع والأحداث.. دسائس.. غيبة.. نميمة.. مكايدات في العمل.. فتن.. تبخيس.. إفساد للعلائق النبيلة.. تعصب.. نعرات قبلية.. محاباة.. محسوبية.. كذب.. نفاق.. جحود.. خذلان.. ظلم.. عداوات غير مبررة ومشاعر سالبة دون أسباب!!
والقائمة تطول.. والشواهد كثيرة.. الضباب يلفنا.. والغرائب تحوطنا.. والدهشة سيدة الموقف مما وصل إليه المجتمع والناس من حولنا!!
مسالك عجيبة.. وردود أفعال أعجب.. صغائر الأمور تتحول إلى كبائر تضاف إلى أوزارنا ونحن في غنى عنها!
بالمقابل.. نجهل حقوقنا ولا نطالب بها أو ندافع عنها.. نتنازل طائعين عند أول مواجهة إما خوفاً وإما تهاوناً.. ومن يهن يسهل الهوان عليه.. أينما تضع نفسك يضعك الآخرون!
إذن.. لا تحلموا بعالم سعيد.. ما لم تغيروا ما بأنفسكم من سواد وأمراض وجبن وحسد!
لن نرتقى.. ما لم نلتق على المحبة والتعاون والتجرد والإخلاص في العمل وإيفاء الذمم!
ما لم نعد إلى الله.. إلى تعاليمه.. إلى السيرة المباركة.. وضرورة الاقتداء بما كان عليه الناجحون الأوفياء الأتقياء في كل مكان وزمان.. وقبل أن نحاسب الآخرين.. علينا أن نحاسب أنفسنا.. قبل أن يحاسبنا جميعاً المقتدر الجبار الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
تلويح:
لا تكتفي بالتنظير.. ابدأ بنفسك.. وساهم في التغيير.
إندياح – صحيفة اليوم التالي