في الوضع الطبيعي من المفترض أن لا يلجأ أي عاقل لخيار حمل السلاح إلا بقناعات كاملة بأن خصمه هذا يجب أن يموت أو أنه يدافع عن نفسه في أجواء غاب فيها الأمان.. وبالتالي فإن التصريحات الطبيعية على لسان حاملي السلاح هي تلك التي يجب أن تتهم الإنقاذ بأنها عصابة من المجرمين وأن الواجب الوطني بظنهم هو تخليص هذه الأرض من وجودهم فيها أحياء، وتلك قناعة صعبة ومعقدة لا يتوصل إليها شخص عاقل وواع بسهولة.
في الأوضاع الاستثنائية يلعب حملة السلاح بالثلاث ورقات لكنهم وبالضرورة تجدهم يحرصون على تقديم خطاب قوي ومقنع للآخرين يبرر لهم استخدام الرصاص والقنابل وممارسة القتل.
جبريل إبراهيم ظهر في صورة مع محاوره في أحد المواقع الإلكترونية جالساً على الأرض وملفحاً بلبس القتال وحوله جنود مدججون بالسلاح وفي خلفية الصورة جبال وأحراش وحياة قتالية كاملة الدسم.
جبريل وفي هذا المناخ (المنفعل) حسب الصورة، يقدم إفادات حوارية غريبة جداً تجعلني أزعم أن هذا الرجل وبقناعاته المهزوزة ومنطقه التائه، لو أرسلت له الحكومة وفداً مصغراً يتكون من ثلاثة عقلاء ومعهم طبيب نفسي لعاد معهم (الحجل بالرجل)..
جبريل يقول في حواره: “واعتقال الصادق رساله واضحه أنهم – أي النظام الحاكم – على كفي نقيض في موضوع الحريات. صحيح قد تكون هناك جهات يسميهم الناس بالصقور داخل المؤتمر الوطني, وهم الذين سعوا في اغتيال مشروع الحوار بعد اعتقال الصادق المهدي, لكن في كل الأحوال فإذا كان المؤتمر الوطني ومن داخله غير متفق على الحوار فإنه يبقى الحديث للاستهلاك”..!
هذا يعني أن جبريل مقتنع بأن هناك دعوة حوار صادقة وصحيحة ولكن المشكلة برأيه تتلخص في صقور المؤتمر الوطني وهذه درجة جيدة وممتازة من حسن الظن (المسلح)..!!
لاحظوا موقف جبريل المتوازن جدا في توصيف الشعبي (يسأله: “هل تعتقد أن المؤتمر الشعبي يريد أن يدخل السلطه بعد ذهاب العناصر المناوئة له ومن ثم الانفراد بمن تبقوا في السلطة؟”
يقول: “أنا لا أفتكر أن ناس المؤتمر الشعبي بهذه الدرجة من الغباء, وأنا أعرف أنهم أناس لديهم خبرة سياسية طويلة وعلى رأسهم الشيخ حسن الترابي, ولم يصفهم أي شخص من قبل بالغباء السياسي, وأنا لا أعتقد أنهم لا يحسبون حسابات سياسية دقيقة, وأنت عندما تضع بيضك كله في سلة هذا النظام فإنك تخسر بدلا من أن تكسب, خاصة إذا لم يشارك في الحوار كل الناس, لأنه يصبح بدون قيمة..”..
ثم يبرر في موضع آخر لكمال عمر موقفه ويقول إنه قيادي منضبط تنطيمياً بعد أن نفى أن يكون دخول الشعبي بغرض العودة للسلطة أو حتى توحيد الإسلاميين..!
أستطيع أن أقول إن جبريل إبراهيم إما أنه يحمل السلاح مجاملة لمواقف أصدقاء من حوله وهو غير مقتنع بها بالكامل أو أنه يحمل السلاح ثأراً لروح الدكتور خليل إبراهيم أو أنه يحمل السلاح من باب (العادة) وبدون وعي وهذا هو الاحتمال الأفجع لأنه يجعل جبريل متصالحاً بسهولة مع ارتكاب جرائم أخفها ترويع الناس واستغلال أعوانه وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق..
وطالما أن جبريل ينظر للحوار بهذه النظرة غير الناسفة للفكرة من أصلها ولمصداقية من أطلقها وينظر للنظام أنه فيه الصقور والحمائم وأن قضيته فقط محصورة في عدم توافق النظام على الحوار ورغماً عن كل هذا يتبنى خيار إسقاط النظام عبر البندقية.. فإن الإشفاق على حال هذا الرجل وضعف وعيه بما يفعل أوجب علينا من لعنه.. فهو بحق مستخدم تماماً ولا يمتلك حجة ولا منطقا.. وكأنه خرج إلى رحلة صيد ممتعة وطويلة مع الأصدقاء..!!