السودان والخليج.. لمن يشكو كرتي

برغم الوضوح والصراحة التي تحدث بها السيد وزير الخارجية علي كرتي في تشخيصه للفتور في علاقات السودان ببعض دول الخليج العربي عبر شاشة تلفزيون الشروق وقوله إن هناك معلومات مغلوطة تُنقل للخليج عن السودان.. وإن الحرص الخليجي على العلاقات وعلى تقديم المواقف تجاه السودان أقل من الطموح..

برغم هذا الكلام الواضح إلا أن الأستاذ علي كرتي لم يقدم اعترافاً نبيلاً منه بالتقصير في تصحيح هذه المعلومات المغلوطة، سواء أكانت معلومات حول العلاقات مع إيران أو حول علاقة السودان بتيارات أو خلايا الإسلام السياسي في بعض دول الخليج..

إيران والإخوان.. هما أس المشكلة، في هذه العلاقات الفاترة، والواقع أن السياسة الخارجية السودانية في علاقاتها المختلفة لم تعد تتعاطى مع أجندات تبرر مخاوف الآخرين، لأن السودان في السنوات الأخيرة انتهج سياسة (الفينا مكفينا).. ولا نريد التدخل في أي شأن داخلي إقليمي أو المشاركة في أي عمل معلن أو خفي تترتب عليه أضرار أمنية أو سياسية مباشرة على الآخرين..

يعني وبالعربي الفصيح السودان أخرج نفسه من دائرة التعاطي مع الأزمات الإقليمية إلا على مستوى التعبير عن استعداده للعب دور (الأجاويد) أحياناً وعلى (سبيل الكشكرة)..

لكن.. يا كرتي؛ هناك خطآن في سياستكم الخارجية الأول هو أنكم اكتفيتم باعتماد سياسة (الفينا مكفينا) ولم تقوموا بالانتقال إلى مرحلة (أبعد عن الشر وغني لو) إلا في ملف الإخوان المسلمين تقريباً، لكن في ملف إيران فإن مستوى العلاقات الظاهرية بينكم وبين إيران لا يقود الآخرين إلى حقيقة علاقاتكم معها وأنها فعلا ًعلاقات مصالح عسكرية محدودة جداً وكانت قد لجأت إليها الحكومة في وقت لم يجد فيه السودان خياراً سوى إيران..

هذا مفهوم بالنسبة لنا ولكم أنتم وربما مفهوم للبعض، أما حكومات الخليج المتوجسة من مثل هذه العلاقات مع عدو صريح من أعدائها فإنها لا تعرف هذه الحقائق وعليها بالظاهر فقط، وحين تكون السفن الإيرانية ترسو في موانئنا (بسبب وبدون سبب) فإن من حقهم أن يتوجسوا..

التقصير هو تقصيركم أنتم: تقصير دبلوماسي وإعلامي في تقديم الحقائق وتصحيح المعلومات الخاطئة..

مطلوب من الدبلوماسية السودانية أن تضاعف الجهد الدبلوماسي والإعلامي الموجه لتصحيح الفهم الخاطئ لهذه العلاقات..

مطلوب منكم أن تدركوا أن الابتسامات الخليجية البروتوكولية أمام المسؤولين السودانيين لا تنفي احتفاظ أنظمة الخليج بالهواجس تجاه ما يهدد أمنهم، ولهم في ذلك الحق الكامل، طالما أنك تقول و(بعضمة لسانك) إن هناك معلومات (مغلوطة منقولة إليهم).. فماذا فعلتم أنتم لتصحيحها؟ ولماذا لم تنجح خارجية الأستاذ كرتي في إزالة سوء فهم وتصحيح معلومات حتى الآن؟.. هل في هذا صعوبة كبيرة لهذه الدرجة..؟!