يحكى أن إحدى الركائز الأساسية، بل الركيزة الأولى في عملية التفاوض الأهلي في قضايا السلام، هو الإنسان، الذي ينتمي إلى الأرض التي تشهد (الصراع)، ويحمل في ذاكرته ووجدانه موروثها الثقافي والحضاري، مما يمكنه من فهم طبيعة (النزاع) والبتالي القدرة على ملافاته ومعالجته مستعينا بخبرته الحياتية في معرفة طبائع الناس، ومخزونه المعرفي المتراكم إثر سنوات من الملاحظة والقراءة المتأنية للواقع المتبدل أمامه في كل يوم، لا سيما إن كان من مكان مثل إقليم (دارفور) المنكوب بالحروب والنزاعات والصراعات؛ قبيلة كانت، أو على الموارد، أو ما بين الحكومة ومن تمردوا عليها.
قال الراوي: السيد النور، المواطن السوداني الذي ترجع أصوله إلى منطقة برام بجنوب دارفور، والمقيم بمدينة نيالا منذ ستينيات القرن الماضي وأحد وجهائها؛ يمثل هذا الرجل صورة (ملهمة) لرجال من دارفور بالتحديد مارسوا لسنوات طويلة عملية والتفاوض والصلح القبلي، وساهموا بقدر كبير في إطفاء نيران حروب ونزاعات بحنكتهم ودربتهم والقبول الكبير الذي يجدونه بين أطياف القبائل الدارفورية (المتصارعة) لأي سبب من الأسباب.
قال الراوي: ما ساعد (المفاوض) السيد النور في إنجاح الكثير من القضايا التي شارك في إطفاء نيرانها، التحاقه في بداية حياته بالعمل الشرطي، في واحدة من الوظائف الشرطية التي تتطلب حسا ثقافيا وذكاء مجتمعيا متوقدا، وهي وظيفة (كاتب السجلات) التي أتاحت له التأمل والتمعن في طبيعة الإنسان السوداني في مختلف المناطق التي عمل بها سواء في دارفور أو جنوب السودان “وتلك قصة أخرى جنوب سيأتي اليوم لتناولها”، فالرجل يتمتع بذاكرة صلبة في تتبع مسارات الأحداث وتواريخها والتوثيق لكل حادثة منفصلة بما يشكل مرجعا لا غني عنه لمن أراد!
قال الراوي: جانب آخر في شخصية السيد النور (المفاوض) ربما أسهم أيضا في تعمقه في معرفة (أحوال) الناس في تلك البقعة الكريمة من البلاد، فهو خاض
غمار الانتخابات للمجالس التشريعية في الإقليم لأكثر من مرة مما قربه أكثر من الناس ووطد معرفته بطبيعة وجغرافيا المنطقة، هذا إضافة إلى مشاركاته المتعددة في مؤتمرات الصلح القبلي على المستويين الإقليمي والقومي. أما على المستوى الشخصي “لمست هذا من جلسات مطولة جمعتني به” فالرجل يتمتع برحابة صدر وشخصية ذات كاريزما مؤثرة، ويعد أحد القلائل الذين أسهموا في (الظل) في التعليم والتنمية لمنطقته عبر جهد شخصي سخي دون شكوى أو مطالبة.
ختم الراوي؛ قال: هل بالإمكان الاستفادة من مثل هذه الشخصيات النادرة في تفعيل آلية التفاوض التي من الواضح- لا تجد من يدعمها أو من يتابع نتائجها؟
وما الذي يمنع مراكز البحوث المختصة بقضايا السلام من (تأخذ) من آلية التفاوض القبلي، كما فعلت مراكز وجامعات عالمية؟
استدرك الراوي: من يدري ربما نجنب الوطن ويلات ما يعايشه الآن من إحن وفتن لو احتكمنا إلى حكمة (المفاوض القبلي) خاصة في دارفور.. لكن من يسمع؟
أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي