الأمريكيون والبريطانيون يرتكبون أشد الجرائم خطورة هل يستطيع أوكامبو محاكمتهم
القاضي كاسيسي اختاره رئيس هيومان رايتس ووتش وليس مجلس الأمن
القضاء السوداني أصدر أحكاماً بالإعدام والسجن
سنلاحق اوكامبو أمام المحكمة الجنائية الدولية
جدل قانوني كبير يدور بين الأمم المتحدة وحكومة السودان منذ الثامن والعشرين من يونيو من العام 2005 وهو اليوم الذي وقف لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لأول مرة أمام مجلس الأمن ليقدم تقريره عن الأوضاع في دارفور بعدما أحال مجلس الأمن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي رأسها القاضي الإيطالي المتقاعد انطونيو كاسيسي الى المحكمة الجنائية الدولية.
طبيعة هذا الجدل يرتكز على نقطة محورية فالجانب السوداني يدفع بعدم اختصاص محكمة الجنايات الدولية في التعاطي مع المسألة الدارفورية بحجة عدم مصادقة السودان على بروتكول روما للعام 1998م المنشأ بموجبه محكمة الجنايات الدولية في وقت تصر الأمم المتحدة وبدفع أوربي أمريكي على أحقية واختصاص المحكمة الجنائية الدولية في المسألة فالحالة في دارفور باتت وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين. هذا الجدل الذي يفترض ان يقتصر على القانونيين أخذ يتقدم الى أقنية جانبية فخالطته المصالح السياسية وثأراتها المؤجلة أو المرحلة منذ سنوات التسعينات وهي السنوات التي شهدت بدورها حزمة قرارات أصدرها مجلس الأمن ضد السودان فالأستاذ فتحي خليل المحامي ونقيب المحامين السودانيين الذي أحاوره اليوم بشأن التطورات التي تشهدها علاقات السودان والمحكمة يرى أن ثمة انتقائية تطبق حيال السودان ويقول هناك فظائع ترتكب تحت سمع وبصر العالم فالجرائم الأشد خطورة والتي تدخل ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية أصبحت روتيناً يومياً للقوات الأمريكية والبريطانية في العراق وافغانستان ومع ذلك لا يجرؤ مجلس الأمن على إحالة جندي من هاتين الدولتين لمحكمة الجنايات الدولية ولا يستطيع المدعي أوكامبو ان يقول ولو كلمة واحدة بهذا الخصوص.
لكن ثمة انعطافتان مهمتان وضعتا علاقة السودان بالمحكمة الجنائية في طريق وضعتا علاقة السودان بالمحكمة الجنائية في طريق جديدة ففي السابع من شهر يونيو الجاري أقرت المتحدثة باسم محكمة الجنايات الدولية فلورانس أولارا ان المحكمة خططت لاختطاف أحمد هارون أحد المطلوبين من قبل المدعي العام أوكامبو بتحويل مسار الطائرة واجبارها على الهبوط في أراضي دولة جارة حينما كان أحمد هارون في طريقه للحج في ديسمبر 2007 ولم يكد يمضي اسبوعان حتى بث المركز السوداني للخدمات الصحافية (smc) اعترافات مطولة لعبد العزيز نور عشر مسؤول الأمن والمخابرات بحركة العدل والمساواة تحدث فيه عن صناعة أدلة من قبل شهود مختارين لصالح مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية في تحقيقاته التي يجريها عن دارفور.
ما قاله عشر في اعترافاته كانت مدخلاً لحواري مع الأستاذ فتحي خليل إذ سألته هل فوجئت باعترافات عشر ضد أوكامبو؟ يقول خليل:
– ما ورد على لسان عبد العزيز عشر ليس جديداً بالنسبة لنا فالمدعي العام بنى حيثياته في المطالبة بأحمد هارون وعلى كوشيب على روايات وحكايات مصدرها حركة العدل والمساواة وغيرها من الحركات الدارفورية. وكمشتغلين بالقانون نعلم ان أول تصريح لأوكامبو بعد ان تقدم بطلب تسليم الشخصين أشار فيه لاعتماده على تسجيلات صوتية تتحدث عن تنقل أحمد هارون بين الخرطوم ودارفور حينما كان وزير دولة بالداخلية. وكل هذه التسجيلات كان مصدرها واحداً هي الحركات المسلحة وهذا أكبر خطأ ارتكبه المدعي العام.
* خطأ من أي نوع؟
– خطأ مهني قانوني فأنت لا تعتمد على روايات خصوم. وهذه كانت مجرد روايات وليست أدلة. وهؤلاء الشهود تم نقلهم بمعرفة وترتيب وتنسيق مع حركات دارفور إلى مكتب الإدعاء بلاهاي ونحن نعرف ان بعض هؤلاء الشهود تراجعوا في اللحظات الأخيرة ورفضوا الإدلاء بالشهادات التي تم تلقينها لهم. وبالمناسبة هناك قانونيون سودانيون نعرفهم بالإسم يلقنون هؤلاء الشهود ما يجب قوله ونحن نعلم وهم كذلك يعلمون إن أسهل مافي القانون دحض مثل هذه الشهادات المفبركة ونحن لسنا في مجال الحديث عن ضعف البينات والروايات السماعية ولكن في مبدأ المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.
* من من الأسماء السودانية التي تتعاون مع أوكامبو؟ اسألك هذا السؤال ولم أجد أحد يجيب عليه فالجميع يتحفظ مع ان الضرر قد لحق بسمعة البلاد؟
– في تقديري لم يحن الوقت لكشف هذه الأسماء رغم انهم تجاوزوا الخطوط الحمراء وارتكبوا ما يمكن تسميته خيانة عظمى بحق البلاد.
* دعنا من أسمائهم ماهي توجهاتهم السياسية؟
– توجهاتهم السياسية معادية للحكومة تماماً. وتعرفهم من لحن القول ونسمعهم دائماً يقولون بضرورة التعاون مع المحكمة الدولية وتسليم هارون وكوشيب رغم انهم قبل غيرهم يعلمون ضعف ما يروجون له.
* هناك نقطة تحسب على الحكومة في تعاملها مع المحكمة الجنائية فالمدعي العام في هذه المحكمة الجنائية فالمدعي العام في هذه المحكمة سئل قبل ثلاثة أعوام وتحديداً في 13 ديسمبر 2005 عن الكيفية التي سيتعامل بها مع السودان فعبر عن احترامه للسودان وقضائه متوقعاً تعاوناً طيباً ألا تعتقد ان الرفض المبكر والمطلق للتعامل مع المدعي العام أضر بالحكومة السودانية؟
– الرفض لم يأت من الجهاز القضائي وإنما من الحكومة وهو موقف سياسي يمثل سيادة الدولة فالسودان ليس طرفاً في ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية وبالتالي الدولة ليست ملزمة بالتعاون وتسليم مشتبه فيهم.
* الاحالة تمت من مجلس الأمن وبموجب البند السابع وهنا مكمن الخطورة؟
– هناك من يقول ان السودان باعتباره عضواً في الأمم المتحدة ملزم بموجب قرار مجلس الأمن للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وهذه أقوى حجة يتم تسويقها وهذه يمكن دحضها بسهولة فمجلس الأمن لا يستطيع إحالة دولة ليست طرفاً في الاتفاقية للتعاون مع هذه المحكمة وإلا انتفت فكرة التوقيع وبالتالي تنسيق مبدأ الإتفاقيات من أساسها فما معنى ان تعد اتفاقية وتطلب توقيعات الدول عليها طوعاً ثم تأتي وتتحدث عن الزام غير الموقعين فهل يستطيع مجلس الأمن ان يجبر كل الدول غير الموقعة ومنها الولايات المتحدة على إحالة رعاياها لهذه المحكمة ويلزمها بالتعاون معها هنا يثور السؤال الكبير جداً.
* الولايات المتحدة تستطيع نقض هذا القرار في مجلس الأمن؟
– طيب نحن هنا نسأل سؤالاً آخر من الذي ينتهك أكثر من غيره المبادئ الواردة في ميثاق روما من الذي يرتكب جرائم الحرب وجرائم العدوان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وهي الجرائم الأربعة الأكثر خطورة حسب ميثاق روما؟. المفارقة ان الجنود الأمريكيين والبريطانيين يرتكبون هذه الجرائم يومياً في العراق وافغانستان وينتهكون مبادئ ميثاق روما كل يوم فلماذا لا يحيل مجلس الأمن (بحكم الاختصاص) هؤلاء الجنود الى محكمة الجنايات الدولية؟.
* مجلس الأمن أحال قضية هرون وكوشيب إلى محكمة الجنايات الدولية استناداً على توصيات لجنة تحقيق دولية؟
– لا لم تكن لجنة تحقيق وإنما لجنة تقصي حقائق ولا يبني على تقارير لجان تقصي الحقائق أي إجراءات في المسائل الجنائية.
* جيد لجنة تقصي الحقائق والتي رأسها القاضي الايطالي المتقاعد انطونيو كاسيسي مع أربعة قانونيين زارت السودان والتقت الجهات المعنية وهم على التوالي وزير العدل. وكيل وزارة العدل رئيس القضاء لغرب دارفور، رئيس المحكمة الخاصة بغرب دارفور بجانب بعض اللجان الخاصة المشكلة من قبل الدولة هذه اللجنة قضت عاماً كاملاً تتقصى ثم رفعت تقريرها الى الأمين العام السابق للأمم المتحدة في العام 2005م الذي سلمه لمجلس الأمن الذي أحاله بدوره الى محكمة الجنايات الدولية لماذا انتظر الجانب السوداني أكثر من عامين ليقدح في هذه اللجنة ويقول ان تقريرها لا تبنى عليه إجراءات ذات طابع جنائي؟
– أساس المسألة قانوني لا يخضع للجدال والمناورات السياسية هنا لدينا نقطة تمثل ونلخص الأمر بوضوح ليس من حق مجلس الأمن وبالقانون ان يحيل دولة ليست طرفاً في اتفاقية روما والأحكام كلها مبنية على هذا.
* الإحالة استاذ فتحي تمت بنص واضح ورد في الفصل السابع وهو ان الوضع في دارفور يهدد السلم والأمن الدوليين؟
– هذا لا يغير من الأمر شيئاً سواء أكانت الإحالة بموجب الفصل السابع أو غيره من الفصول نحن نسأل هل من اختصاص مجلس الأمن إحالة دولة ليست طرفاً في اتفاقية، بالتأكيد لا. ثم ان لجنة كاسيسي لتقصي الحقائق لم تمض عاماً في السودان هي كانت ثلاثة أسابيع وبالمناسبة اختيار هذه اللجنة ومحمد فائق اليساري المصري المعروف احد أعضائها تم اختيارها بمعرفة جهات عدوة للسودان.
* أنت تشكك في حيدة اللجنة؟
– نعم ولدي مآخذ على هذه اللجنة والجهة التي اختارت أعضاء هذه اللجنة.
* جهات مثل من؟
– رئيس منظمة هيومان رايتس ووتش هو من اختيار رئيس هذه اللجنة والمنظمة معروفة بعدائها الشديد للسودان اتصل رئيس المنظمة بمجلس الأمن وقال إن لديه قاضٍ بالمعاش مأمون الجانب وأنا أرشحه لرئاسة هذه اللجنة وهكذا دواليك تم اختيار بقية أعضاء اللجنة. وقد جلست الى أعضاء هذه اللجنة كما جلست مع مولانا دفع الله الحاج يوسف رئيس لجنة التحقيق الوطنية المعنية بالأحوال في دارفور التي قضت شهوراً طويلة تتقصى عن القضية.
* ماهو تقييمك لتقرير لجنة كاسيسي؟
– تقرير متحامل وعدائي ومفتقد للمهنية واخطأت الأمم المتحدة كثيراً حينما اعتمدت على تقرير لجنة تقصي الحقائق في تعاملها مع قضية هرون وكوشيب ورغم هذا لم تستطع هذه اللجنة ان تثبت وجود حالة إبادة جماعية.
* لكنها أشارت إلى جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية.
– نعم
* وهذه تبرر الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية؟
– إذا كانت الدولة طرفاً في اتفاقية انشاء المحكمة. وحتى إذا كانت الدولة طرفاً فاختصاص المحكمة ليس أصيلاً وإنما مكمل للقضاء الوطني وطالما ان أوكامبو أقر بقدرة القضاء السوداني كما قال من قبل فلم لا يترك هذا القضاء ليؤدي مهامه الذي أنجز بالفعل وحقق في الكثير من القضايا وأصدر عشرات الأحكام منها عقوبات بالإعدام والسجن. نحن كقانونيين نعتز بقضائنا والقضاة الذين يتولون التحقيقات في ما يتعلق بدارفور مشهود لهم بالمهنية والمعرفة ومنهم من قضوا أربعين عاماً في مجال القضاء.
* ألا ترى ان الجانب الإعلامي يحكم ويسير علاقة السودان بمكتب الإدعاء العام ورئيسه أوكامبو؟
– ليس الإعلام وحده ولكن ما تقوله هو المأخذ الكبير على المدعي العام بجانب مآخذ أخرى.
* سألتك هذا السؤال ولدي هنا رأي للقانوني والديبلوماسي المعروف سراج الدين حامد مدير إدارة الأزمات بوزارة الخارجية يقول فيه إن الحكومة اتخذت جملة إجراءات ولم تظهرها للعلن وهنا يتهمها بالتقاعس؟
– طبعاً لا يستطيع الإعلام السوداني مجابهة آلة إعلامية ضخمة تسخرها بالكامل الأطراف الأخرى ضد السودان.
* تقدح استاذ فتحي في ذمة لجنة تقصي الحقائق وكيفية اختيار أعضائها الخمسة وقبل أسبوعين تحدثت لسفير سوداني سابق في هولندا قدح بدوره في حيدة أوكامبو ونزاهته كيف تقيم أداء السيد أوكامبو؟
– لست ملماً بتفاصيل إختياره ولكنه عرف كمحامي في قضايا المخدرات في أمريكا اللاتينية ولكن مع بداية عمله في هذه القضية إتخذ منحى غيره مهني خالف فيه التقاليد الراسخة في العمل القانوني حينما أخذ يتحدث عن أحمد هرون وعلي كوشيب باعتبارهما مجرمين والتكييف القانوني وباعترافه هو انهما متشبه بهما وهي درجة أقل من الإتهام وهو يعلم ان الإتهام يأتي بعد التحقيق وكانت هناك بينة مبدئية تستدعي توجيه الإتهام أوكامبو تجاوز عن ذلك ويسميهما بالمجرمين ويقول كيف يجوز للحكومة السودانية ان تترك مجرماً في منصبه كوزير. هذا يؤكد انه لم يعد محايداً والحيدة هي أساس وظيفته كمدعي عام بل مضى اوكامبو أبعد من ذلك حينما اعترف مكتبه قبل أسبوعين بأنه خطط لاختطاف طائرة احمد هارون وأجبارها على الهبوط في بلد مجاور وتقديمه للمحاكمة وأوكامبو باعترافه هذا إنما يرتكب جريمة خطيرة لا يتهاون معها المجتمع الدولي وتصنف ضمن جرائم الإرهاب الدولي الأشد خطورة والمحكمة الجنائية الدولية ينبغي لها ان تتوقف عند هذه المسألة.
* لتفعل ماذا؟
– نطالب بإبعاده من موقعه وتقديمه للمحاكمة لأنه اعترف وأقر بترتيبه لاقتراف جريمة كبرى وهي الإرهاب وإذا كان أوكامبو يحترم القانون ومهنته فأوجب واجباته ان يتنحى عن منصبه فوراً وإذا لم يفعل تستطيع نقابة المحامين أمام محكمة الجنايات الدولية وتضم محامين بارزين تستطيع مقاضاته أمام المحكمة.
* أنتم كنقابة محامين في السودان ما دوركم؟
– شرعنا في تقديم شكوى ضد لويس أوكامبو أمام المحكمة الجنائية الدولية لإبعاده من منصبه كمدعي عام لأنه لم يعد مؤهلاً للإستمرار في هذا المنصب.
* ألا ترى ان أوكامبو استنفد الوسائل لمثول هرون وكوشيب أمامه ولجأ لإختطاف أحدهما وهو هرون.
– الوسائل ينبغي ان تكون قانونية طالما كانت محكمة قانونية.
* هو إستند على سابقة مماثلة فالإدعاء العام لمحكمة مجرمي يوغسلافيا اعتمد على قوات حلف النيتو المتمركزة في بعض جمهوريات يوغسلافيا السابقة لاحضار المشتبه بهم ولم تسأل المحكمة وقتها عن كيفية أحضارهم للمثول أمامها؟
– محاكم يوغسلافيا هذه كانت محاكم خاصة.
* لكنها ذات طابع دولي؟
– وهل يسمح لهذا ان ترتكب مخالفات للقانون الدولي. اوكامبو شخص قانوني وعليه ان يتبع الإجراءات القانونية في عمله.[/ALIGN]