# رن جرس هاتفها الجوال داخل حقيبة يدها مردداً تلك النغمة الشجية التي خصصتها له.. ضربات قلبها آخذة في التسارع من وقع المفاجأة.. تقبل المكالمة ببطء متردد، فهي لم تكن تنتظر أن يهاتفها قريباً بعد ما نشب بينهما من خلاف.. يتدفق صوته غامضاً وجافاً يغمر أسماعها: (سأنتظرك عند السادسة في مكاننا المعتاد, أريد أن أحادثك في أمرٍ مهم وأُصلح سوء التفاهم الذي بيننا).. أنهت الاتصال بقرف.. وحسمت أمر توقعاتها المحبطة بأن قررت ألا تذهب للقائه هذا.. نعم.. لن تذهب إليه.. فهي لا ترغب في رؤيته, ومنذ خلعت خاتمها الذهبي من أصبعها وهي تتحاشى أي مواجهة تجمعها به, وأصبحت على يقين تام بأنه علاقتها به قد مضت إلى غير رجعة, ثم ها هو بكل بساطة يسمي ما آلت إليه الأمور بينهما ببساطة (سوء تفاهم).
# لقد خرجت من حياته بسبب ما أسماهُ هفوة ورأته هي جرماً لا يغتفر, فقد فاجأته مع أخرى في أحد الأماكن العامة.. ولم تكن تحتاج لأكثر من ذلك لتثبت شكوكها فيه. شعرت حينها أن كبرياءها يتهالك.. وكل ما مضى من عمرها يحترق، هرولت بعيداً عن المشهد وآلاف الصرخات تدوي بداخلها.. وأنهاراً من الدموع تغلي تحت جفنيها.. أرادت حينها أن تصرخ في وجهه بصوتٍ عالٍ, أن تبكي على تفانيها وإخلاصها وحبها وتضحياتها التي لم يستحق أياً منها. أرادت أن تنفجر.. أن تقول شيئاً يخفف هول الصدمه ويخفف بعضاً من حقدها المجنون وألمها الدامي, ولكنه آثرت الصمت.. إن أشد ما يمكن أن نعاقب به الآخرين هو الصمت.. فهو يشعرهم بالحقارة والصغر, وقد أصبح هو فعلاً أصغر من أن تجعله يفسد حياته من جديد ويغتال أحلامها مرةً أخرى.
# لن تذهب إليه.. فقد عاهدها يوماً على الوفاء ولم يلتزم.. وشاركها لقمة العيش والحياة وحتى الفراش ولم يقدر ذلك.. واستولى على ماضيها وحاضرها ومستقبلها ومالها، ولم يتق الله فيها. كانت ترى في عيون الناس إشفاقهم على ثقتها المفرطة فيه.. وكانت تسمع همساتهم حول ألاعيبه وعلاقاته المشبوهة.. وكانت تستعين على كل ذلك بالذكريات الغالية والكلام المعسول وتكتفي بعودته إليها كل مساء.. لم تكن تريد أن تصدق ما يقال عنه, شيء ما بداخلها ظل على إيمانه المطلق بنزاهته ونقائه وإخلاصه. لكن العالم الذي ابتدعته معه بدأ يتهاوى.. والأحلام التي رسمتها أخذت تذوب.. لقد كانت تظن أنه رجلها وحدها، ولكنها اكتشفت متأخراً أنها دمية من دماته, أسهل ما لديه أن يستبدل حبها بالعطور والسيارات والعقارات, وهو اليوم قد وقع على صفقة أثمن منها, وأبت عليه نفسه الوضيعة أن يضيعها.
# سمعته يردد اسم تلك المرأة كثيراً على أنها عميلةٌ مميزة, رأت في عينيه اهتماماً خاصاً بها.. وبدأ يتهرب من سيرتها أمامها, ثم تناقل المقربون الحديث حول علاقته المريبة بها, انتظرت من بين أوجاعها أن يأتي، فيحدثها عن نيته في الزواج، فذلك أكرم له ولها, ولكنه آثر الصمت والسهر والهمس في الهاتف والتعصب عليها. وكلها مؤشرات تؤكد سوء نواياه. ورغم تطوع العديدين لإبلاغها عن لقاءات محرمة تتم بينه وبينها آثرت حرصاً على نقائها أن تضبطه معها في مكان عام لتحفظ له ماء وجهه حتى النهاية, هكذا تعرف الحب.. لا ينفصل عن الكبرياء ولا يعيش دونها, وقد كان.
# رفضت بعدها أن تسمع مبرراته ودفوعاته, فقد أصبحت تحتقره والحب لا يحيا تحت ظل الاحتقار, لم يعد هو ذلك الرجل الذي هتفت بأسمه يوماً حتى في صمتها وعاشت معه طموحاتها وأمانيها… تغير هو وتغيرت نظرتها له.. أصبح مادياً ميت القلب والشعور, وأصبحت هي قويه بكبريائه ومستقلةُ بشخصيتها, لن تغامر من جديد بوقتها ومشاعرها.. ولن تكون غبية أكثر مما كانت بالعودة مجدداً إلى رجل يراها إحدى جواريه ويرى أنه (هارون الرشيد).. لن تذهب لموعده.. هكذا قررت.. فهل تستطيع؟
# تلويح:
نحن نرتبط بالآخرين ليمنحونا الحب, لا ليخذلونا أو يجرحونا. والحب الحقيقي يحفظ كبرياءنا.. لا يبددها.
إندياح – صحيفة اليوم التالي