? كان المنظر مفعما بالفرح والغبطة في ذلك اليوم الذي أعلن فيه بان العمل قد اكتمال في مشروع سد مروي الذي اقيم في شمال السودان وعلى الرغم من ان الخزان الضخم الذي اخذ مساحة تصل الى 571 كيلومترا ملئت بالماء خلف الخزان وخلف عددا من المتأثرين… الا انه كان مصدر فرح للعديد من السكان من خلال المشروعات التي تمت اقامتها لصناعة التنمية للمواطنين في المناطق حول الخزان وفي مناطق توطينهم وما بين الرفض والقبول من المتأثرين بالخزان بدأت توربيناته الضخمة تضخ بعض مئات من ميقاواط الكهرباء وتضيء بعض التساؤلات : فهل نجحت مشروعات التنمية الكبرى في صناعة البنيات التحتية في المناطق التي حولها ومناطق اعادة التوطين! وما هو الاثر المتوقع من المشروعات التي صاحبت قيام الخزان.
اذا كان المشروع قد احدث متغيرات اجتماعية وسكانية جديدة لم يتم استيعابها بعد ولكن ومع ذلك فان الكثير قد اجمع بان المشروع قد حقق شكلا من اشكال البنية التحتية لم يكن ممكنا، فلماذا نجحت مشروعات البنية التحتية التي صاحبت مشاريع الخزانات ولم تستطع مشاريع انتاج البترول ان تفعل مثلها، فهل لاختلاف طبيعة المشروعات تأثير في ذلك ام لأن الاهداف الاقتصادية هي العنصر الحاسم في هذه الحالات وان كانت مشروعات السدود والخزانات هي مشاريع جاءت لخدمة المواطنين وليس للربح فانها ايضا قد خلفت ضحايا في طريق بنائها.
وعلى الرغم من ان مشروعات النفط هي الأعلى عائدا على مستوى العالم الا ان مناطق حقول النفط وما جاورها في السودان لا تزال تسير ببطء في اتجاه التنمية. فهل عجزت شركات استخراج النفط في صناعة التنمية ام انه ليس من بين عقودها صناعة التنمية في المكان. وما بين الفيافي والسهول امتدت انابيب البترول لا تلقي بالا الى كثير من القرى الفقيرة والمدن الصغيرة وهي تتجه الى موانئ العالم لتتحول الى ارقام ارصدة في شاشات بورصات البترول والارصدة للشركات في البنوك العالمية وفي الجانب الاخر يظل عشرات الثائرين ينظرون الى السدود على انها كابوس مزعج على الرغم من الجسور والطرقات المسفلتة والمدن التي نشأت من العدم. وما بين بحيرات المياه الجديدة والزيت الاسود المشتعل تبدو موازنة البيئة والتنمية تضع معادلاتها على الارض بين مشروعات السدود وحقائق النفط.
وكان مارس من العام 9002م هو بداية الاعلان الرسمي بدخول كهرباء سد مروي الى شبكة الكهرباء القومية كأكبر المشروعات التنموية في توفير الطاقة من المياه الى جانب عدد من الجسور في مناطق اعادة التوطين والولايات التي تأثرت من قيام الخزان وهي جسر شندي ـ المتمة ـ العكد ام الطيور ـ مروي كريمة ـ ودنقلا السليم.. الى جانب جسر الدبة ارقي والذي لم يكتمل العمل فيه حتى الآن الى جانب عدد من الطرق المسفلتة.. وقد ذكرت اصدارة مياه وسدود التي تصدرها ادارة المعلومات في وحدة تنفيذ السدود في عددها الصادر بمناسبة افتتاح جسر دنقلا ـ السليم تصريحا لوالي الولاية الشمالية قال فيه ان الولاية الشمالية هاجر ابناؤها الى داخل السودان وخارجه سنوات طويلة بسبب ضعف البنية التحتية وشح الخدمات، ولكن الولاية الان بعد ما توفر فيها من تنمية وخدمات نستطيع القول بانها اصبحت جاهزة لاستقرار مواطنيها.
ولعل ما ذهب اليه عادل عوض والي الشمالية في طرحه بان المنطقة قد صارت جاذبة للاستقرار يحمل الجانب المليء من الكوب وليس كله فلازال هنالك بعض المتأثرين من قيام الخزان لا يرون فيه انه قد حقق كل عوامل الاستقرار في الخدمات والبنى التحتية، وقد القيت بالامر الى الخبير الدكتور عبد الرحيم بلال المتخصص في علم الاجتماع والذي اوضح لنا قائلا «ان احساس السكان المحلين بان هنالك متغيرات سوف تطرأ على مجتمعاتهم وتخوفهم من عدم تحقيق رغباتهم في التنمية التي يريدونها في مقابل المشروع كل ذلك يشكل حالة الرفض فالسدود يجب ان تراعى متطلبات السكان المحليين في التنمية والمسألة الاساسية هي عملية للتنمية الريفية المتوازنة التي تحقق الاستقرار. الا ان ما ذهب اليه الدكتور بلال لا ينفي ان هنالك مشاريع بنيات تحتية يمكن ان تحقق الاستقرار. ولكن ثمة امور اخرى تبدو بحاجة الى اجابات في سؤال التنمية في مقدمتها لماذا استطاعت مشاريع السدود النجاح في بناء مشروعات البنية التحتية ، وقد طرحت هذا المنظور على البروفيسور عصام بوب الخبير الاقتصادي واستاذ الاقتصاد في جامعة النيلين، فقال لي: لقد كان الشرط في قيام مشروعات السدود ان تكون هنالك تنمية للمناطق التي تتأثر من قيام السدود، وعلى الرغم من ان هذه المشروعات بها بعض النقائص الا ان المسار العام لمشاريع السدود قد حقق نجاحا في المشروعات المصاحبة مثل بناء الطرق والجسور والمطارات. ولكن ذلك ليس هو العنصر الوحيد للتنمية، فالسودان بلد يعتبر 06% من سكانه يمارسون الزراعة كان لابد ان تقوم السدود على تنمية مشاريع زراعية بصورة منهجية وهذا غير واضح حتى الآن من مشاريع السدود لأنهم لم يستطيعوا ممارسة الزراعة بشكل جيد على الرغم من قيام السدود في مناطقهم، ولكن يمكن القول بان ما استطاعت ان تحققه السدود من مشروعات يساعد على قيام التنمية المستقبلية جاء نتيجة ان من قام بتنفيذ مشروعات السدود هي مؤسسات وطنية ليست الربحية هي القيمة العليا لديها بل خدمة المواطنين على عكس ما يحدث في مؤسسات استخراج البترول والتي تهدف الى الربح في المقام الاول.
? يبدو ان المشهد في مشروعات السدود يبدو اكثر اتساعا رغم حدته فالسدود التي قامت على الصخور التي تعترض مجرى النيل اصبح من الممكن السير عليها الان لمراجعة حظوظ التنمية وليبقى مشهد آخر يعلوه سواد دخان اسود لم ينقشع بعد هنالك عند حقول الزيت الأسود.
أمين أحمد :الصحافة