الشيخ أحمد عبد الرحمن يكشف أسرار تُنشر لأول مرة عن أحداث الجزيرة أبا «1»
< الجزيرة أبا من أين نبعت الفكرة؟
> في الحقيقة لم تكن هذه الفكرة موجودة في تفكيرنا وخلدنا، إنما عندما رزئت البلاد بنظام استبدادي شمولي هو نظام مايو 1969م، وأذكر أنه قبل مايو بأربعة أيام وصلتني رسالة من دكتور الترابي يتحدث فيها عن المشهد السياسي السوداني، ويركز الضوء على الانشقاق الذي تم في الحركة الإسلامية على وجه الخصوص، وعلى الانقسامات التي تعرضت لها الأحزاب السياسية الأخرى.
< منذ ذلك الزمان كانت هنالك انقسامات؟
> بالطبع، قبل مايو كل الأحزاب كانت تعاني الانشقاقات والانقسامات ونحن بوصفنا حركة إسلامية كنا منشقين قبل مجيء مايو، وأذكر أن أخانا الشهيد محمد صالح عمر واجهنا بمنزل دكتورة سعاد الفاتح وزوجها حتى بكى، وقال إن خلافاتنا هي التي جاءت بنميري وحكمه.
< نعود لرسالة الترابي وبقية محتواها؟
> كما ذكرت لك ركز على الإنقسامات الحادثة، وان ما يحدث هو فتنة بلا شك ولا أحد لها، وحسبنا اننا لم نكن الذين بدأنا ذلك، ولما تطرق لانقسامات الأحزاب أشار إلى ظاهرة غياب الحزب الشيوعي عن الساحة، وحاول تبرير هذا الغياب بقوله «إما لدهائهم من انشقاقات ام لماذا؟» وبعد عدة أيام طلعت لماذا التي ذكرها.
< بعد وصول الرسالة اليك ماذا كان رد فعلك؟
> عرضت الرسالة على إخوة أعزاء منهم زين العابدين الركابي الكاتب المشهور في صحيفة «الشرق الأوسط»، وفي الحقيقة أحسست بمسؤوليتي بعد قراءة الرسالة، وتحديداً بعد كلمة «لماذا» التي كتبها الترابي.
< ماذا كنت تعمل وأين؟
> كنت منتدباً للعمل بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية بمعهد الإدارة العامة، ولا أعمل في السياسة إلا بالقدر القليل مع الإخوة السودانيين خاصة، وفي ذلك الوقت أذكر أنه قد انتهت فترة انتدابي وكنت احضر للعودة للبلاد. ومن المفارقات أن انتدابي انتهى يوم «25» مايو يوم انقلاب نميري، وكان الإخوة السعوديين يصرون على تجديد عقدي لكن كان لدي إصرار قوي على العودة للسودان.
< هل عدت أم غيرت رأيك؟
> أذكر أنني رجعت المنزل بعد الدوام فأخبرتني زوجتي بحدوث انقلاب في السودان بقيادة الرائد جعفر نميري، وذكرت لي عدداً من الأسماء كلها يسارية: فاروق أبو عيسى، بابكر عوض الله وآخرون، وكان هذا يوم «26» مايو.
< وماذا كان رد فعلك؟
> قلت لزوجتي عليك ان تختاري بين العودة للسودان أو المكوث معي، وفي هذه الحالة لا ندري ماذا سيحدث ولا اين سنتوجه، وكنت أميل الى ذهابها للسودان، وبالفعل قبل ذهابي لجدة فكرت في الاتصال بالمسؤولين السعوديين على وجه الخصوص، ولم تكن لدي علاقة سوى برؤسائي في العمل، إذ لم أكن متعلقاً بالعمل السياسي ومواصلة المسؤولين، لكن تقمصتني روح بأن أبلغ بما أعرف عما حدث في السودان، ولم ابدأ من المستوى القاعدي بل بدأت من أعلى، وتملكتني قناعة وتصميم بأن أصل للملك فيصل مباشرة، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق أحد المسؤولين الذي كانت له علاقة بالاتصالات بجلالة الملك فيصل رحمه الله يسمى الشيخ مناع قطان كان يعمل بإحدى كليات الشريعة، وذهبت اليه ووضعته في الصورة بما حدث في السودان، وطلبت منه مساعدتي لمقابلة الملك فيصل.
< هل وافقك الرأي؟
> نعم، وأخبرني بأنه سيستعين بشيخ كبير يدعى عفيف البذرة وهو مصري الجنسية ورئيس معهد القضاء العالي، وذهبنا إليه وجدناه رجلاً لديه همة وإرادة رغم تقدمه في العمر، فوافق على الفكرة وأخبرنا بأن لديهم صلة بعم الملك يدعى عبد الله بن عبد الرحمن، وصدفة كنت اسكن جواره، وكان الوقت قد تأخر للذهاب ولكن طلبت منهم الذهاب مهما كلف الأمر، وأخبرتهم ان الأمراء ينامون بالنهار وهم سيكونون مستيقظين في هذا الوقت المتأخر من الليل، وطلبت منهم أن يدخلوني ويرجعوا هم، وأقنعتهم بهذا الأمر، وبالفعل حينما وصلنا وجدنا الأمير مستيقظاً ويستمع من الراديو لأخبار السودان من الـ «بي. بي. سي»، وبعد فراغه قدموني له وكان رجلاً فاضلاً، ورحب بي ثم أبلغني بعلاقته بالسودان، وأن محاميه في إحدى القضايا كان سودانياً وهو الأستاذ محمد أحمد المحجوب، وكان هو مطلعاً على كثير مما يحدث في الأقطار الإفريقية.
< ما الذي دار بينكما وقتها؟
> استأذن الشيخان قطان وعفيف وظللت معه، وأخبرته بأنه ليس لدي مصادر معلومات كافية، لكن ما توفر لي يبين أن هذا النظام آيديولوجي يساري شيوعي، والحزب الشيوعي تأتي خطورته لأنه من الأحزاب القوية في المنطقة، وهو مهدد ليس لاستقرار السودان فقط ولكن كل المنطقة وخاصة الخليج، وذلك لارتباط الحزب الشيوعي السوداني الوثيق بإستراتيجيات الحزب الشيوعي الروسي، وبالفعل وجد حديثي تجاوباً كبيراً من جانبه، وطلب مني كتابة ما ذكرته له في مذكرة وأحضرها له الساعة الخامسة رغم أنه لم يحددها لي صباحاً أو مساءً، لكن صممت أن أذهب إليه بعد صلاة الفجر مباشرة، وبالفعل ذهبت إليه فوجدته في عربته متوجهاً إلى المطار، وسلمته المذكرة وسألني عن عملي ومحل إقامتي وذهب.
< ماذا حدث بعد ذلك؟
> بعد ثلاثة أيام رأيت في صحيفة «المدينة» الصفحة الأولى صورة للملك فيصل وبجواره عمه في مقابلة مع موفدين من حكومة مايو هما الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم ووزير الإعلام خلف الله بابكر، فعرفت أن رسالتي وصلت الملك فيصل مباشرة، لأن الذي يجلس بجواره هو الشخص الذي أعطيته الرسالة، وبالفعل حينما رجع نظم لي استضافة في الطائف بفندق العزيزية الذي يتبع للحكومة، وهناك قابلت جلالة الملك فيصل، وأخبرته بما كتبته في المذكرة فشكرني على ذلك.
< كيف كان رده؟
> اخبرني أن هذه ذات رؤيتهم، وأنهم لا يخشون على السودان إنما يخشون على المنطقة العربية والخليجية أكثر، وقال لي إن السودان الذي رأيته بعيد من أي حكم يساري أو إمكانية استمرار حكم يساري فيه، وهو كان قد زار السودان وتم استقباله بألف من الفرسان الذين يمتطون الخيل، ولذا أخبرني أن هذا الأمر يهمهم لأنه مهدد لاستقرارهم.
< ألم يسألك عن معلومات أو عن الذين معك؟
> سألني عن الذين معي، فأخبرته بأن معي أناساً كثيرين من المهتمين بأمر السودان في الخليج وغيره، وفي ذلك الوقت لم يكن معي أحد لكني قلت له ذلك، بعد نهاية اللقاء نادى مدير المراسم ليوصلني وأخبره بترتيب لقاء مع أمين عام الرابطة الإسلامية اسمه محمد سرور الصبان، وذهبت إليه ووجدت لديه مسجداً يشبه الى حدٍ كبير المساجد الموجودة في إثيوبيا، وهو رجل متقدم في السن ولونه أسمر ويشبهنا في السحنة، وله علاقات طيبة مع كثير من السودانيين مثل الهادي عبدون والطيب عبدون، وقد بدأ بعلاقات عمل مع السودانيين، وأخبرني بأن الملك اتصل به، وأن رؤيته مثل رؤية جلالة الملك بأن السودان بعيد عن أي حكم يساري، وقال لي «البير يبقى فيها حصاها» يعني الأوضاع في السودان ستكون كما هي، وقابلني بمجموعة من المسؤولين.
< إذن أبعدت فكرة رجوعك للسودان؟
> بالتأكيد بعد الانقلاب أبعدت الفكرة لكني تمنيت ألا تطول إقامتي حتى أعود للسودان مرة أخرى، ذهبت في ذلك الوقت لتجديد الإقامة وبحثت عن عمل، وقابلت في ذلك الوقت مدير جامعة الملك عبد العزيز، وكانت جامعة أهلية أنشئت بعد مطالبات من الأهالي بمنطقة جدة، فتم إنشاؤها، وفي العام التالي تحولت إلى حكومية، وعرض على مدير الجامعة عرضاً أقل من الذي كنت اعمل به في الرياض لكني وافقت، وبعد ذلك رجعت زوجتي للسودان وبقيت أنا لمدة عشر سنوات لم يسمحوا لها بالحضور للمملكة.
< إذن تفرغت تماماً للعمل السياسي؟
> بالفعل بعد ذلك ذهبت لبيروت التي كانت قبلة لكل الذين ضاقت بهم بلادهم وضاقوا هم ببلادهم، ونزلت في أحد الفنادق المطلة على البحر اسمه «الروشة»، ووجدت هناك صحافياً سودانياً اسمه مكي الناس على صحيفته التي كانت تسمى «الناس»، وكان مصنف أنه متعاون مع الغربيين، وهذه كانت الصورة التي يعرفه بها المثقفون في البلد، لكن كان لا بد مما ليس منه بد، وكنا نريد معلومات، فوجدته ومعه صحافي آخر اسمه كامل حسن محمود من أولاد الأبيض لديهم مشروع يعملون به اسمه «دليل النيل» وهو عبارة عن رصد وقائمة للشركات السودانية كلها، وأعطاني مكي الناس بعض المعلومات، وكنا قد تحدثنا وحللنا الوضع في السودان، وفي اثناء جلوسي في بهو الفندق رأيت شخصين خارج الفندق، فذهبت لهما ووجدتهما د. عمر نور الدائم والثاني عثمان خالد مضوي، فسلمت عليهما وأصبحنا ثلاثة.
< ما الذي جاء بهما لبيروت؟
> عثمان خالد مضوي كان معه ملف ترِف وهي شركة كانت تبني خزان خشم القربة، وحدث نزاع بينها وبين حكومة السودان، وكان محامي النائب العام عثمان خالد الذي جاء ودخل معنا، وفي اليوم التالي ذهب للسفارة السودانية لتسليم ملف الشركة للسفير السوداني، وكان هو عثمان السيد آنذاك، وأصبحنا ثلاثة، وأخبرنا عمر نور الدائم بأن هناك مبارك الفاضل وهو طالب بالسنة الأولى بالجامعة الأمريكية، وكان هناك أيضاً محمود بُرَات وعز الدين عمر موسى وكلهم كانوا يدرسون بالجامعة الأمريكية، وبدأنا نجمع في أنفسنا.
< أين الترابي والصادق المهدي والشريف الهندي؟
> لم يأتنا أحد بعد، وكنا وحدنا والترابي والصادق كانا معتقلين، وجلسنا وحدنا وأقمنا علاقات طيبة واجرينا اتصالات سرية بمسؤولي الحركة الإسلامية بالسودان على أساس أن هذا النظام القائم لا ينفع معه الا المواجهة والمواجهة العنيفة، وكنا نراقب النظام منذ بياناته التي اخرجها وشخصياته التي استعان بها.
< من هم مسؤولو الحركة الذين اتصلتم بهم؟
> لا داعي لذكرهم.
< أذكر منهم ولو شخص واحد؟
> لا أذكر منهم سوى عبد الله بدري وآخرين كانوا مسؤولين عن الحركة الإسلامية.
< من الذي أعطاكم الموافقة على البدء؟
> الجهة التي كانت مقصودة وافقت على طلبنا.
< هل الجهة هي دكتور الترابي؟
> لا، لأن الترابي كان وقتها في السجن.
< ألم يكن هو مسؤول الحركة الإسلامية؟
> نعم كان مسؤولاً، لكن لدينا قرار بأن من يدخل السجن لا يكون هو المسؤول، ولم نستشر الترابي في الأمر، انما المكتب التنفيذي هو الذي وافق.
< على ماذا؟
> على المواجهة وتكوين جبهة وطنية بالخارج، وكان د. عمر نور الدائم مصدر ثقة بالنسبة لنا في حزب الأمة، لكنه قال لنا بضرورة التريث وكتابة مذكرة للإمام الهادي المهدي وإخباره بما أقدمنا عليه وبخطورة النظام اذا تمكن في السودان.
< هل كُتبت المذكرة؟
> بالفعل كتبنا المذكرة وسلمناها لمبارك الفاضل لتسليمها للإمام، وجاءت الموافقة رغم تأخيرها قليلاً حتى أصابنا القلق، وبعض الإخوة عادوا منا للسودان مثل الأستاذ محمود برات، وكانت له علاقات بالهاشماب فأخبرهم بما ننوي فعله، وهددهم بأن هناك مواجهة عنيفة قادمة، لم نكن نعتقد انه سيقول هذا الحديث، لكنه كان متحمساً جداً وقال لهم استعدوا.
< بعد موافقة الإمام ماذا فعلتم؟
> عندما جاءتنا الموافقة بدأنا في عمل منظم وجبهة وطنية تكونت منا الثلاثة، ومن بعد ذلك جاء عدد من الإخوة هاربين عبر البحر بسنابك الصيد الصغيرة، أذكر منهم أحمد زين العابدين المحامي الذي لم أتعرف عليه في البداية لتغير شكله وتعبه، فقد كان أشبه بالإخوة اليمنيين ويحفظ أغاني البحر مثلهم، واستقبلته في البحر وأخذته للسكن في منطقة جيدة بمدينة جدة، وفي ذات الوقت وصل أحد الشباب الذي هرب عبر السفن الرسمية بعد تزوير أوراقه، وأذكر أنه يُدعى خالد.
< هل عملتم وحدكم أم انضم إليكم آخرون؟
> في هذه المرحلة عملنا وحدنا الى ان جاءنا الشريف حسين الهندي، ولما وصل بيروت أخبرناه بما فعلنا فبارك العمل ولم ولم يتردد، بل تبناه وأصبح بطل المرحلة، لأن الصادق المهدي لم يكن موجوداً حينها، ولكن الإمام الهادي وصى الشريف على الأنصار بالخارج، وكانت لديه ثقة كبيرة جداً في الإمام، ولما كثُر عددنا جاءنا نصر الدين السيد من الوطني الاتحادي، وكان مع الأزهري في مؤتمر قمة في كنشاسا، وأزهري رجع السودان مباشرة ونصر الدين السيد جاء الى بيروت، وأصبحنا مجموعة واستأجرنا عدداً من الشقق نذهب إليها ليلاً ونهاراً نرابط في الفندق، وفي ذلك الوقت اتصلنا بالمرحوم محمد صالح عمر وكانت معه مجموعة في معسكر من معسكرات فتح في حدود الأردن مع بيروت، وأرسلنا إليه فجاءنا ومعه مجموعة من الإخوة.
[/JUSTIFY]
حكاوي – بقايا مداد
أمينة الفضل
[email]aminafadol@gmail.com[/email]