في البداية فكرت أن أنزل كل تلك المداخلات في البريد ثم أعيد لكل من ركب معانا غلط (قروشو) قبل أن أدليهو معزز مكرم، ولكن مكالمة هاتفة ناعمة وظريفة أسرتني صاحبتها بأفكارها المرتبة ومنطقها الحكيم الـ (منطقتني) بيهو، دفعتني للعودة حسب طلبها ووضع القصة على طاولة النقاش، فقد حذرتني ضمن نقاشها معي من الرسالة السالبة التي يمكن أن تحملها القصة لـ الرجال (المتسبلين)، والتي توحي بأن عاداتنا وتقاليدنا تجبر المرأة على القبول مغصوبة و(كراعا فوق رقبتا) بحياة زوجية ترفضها وتستهجنها، كما قد يتخذها (دقاقين الحريم) سبوبة لمواصلة (الكبع النضيف) بحجة المحافظة على البيوت من الانهيار .. عاد ده كلام ؟
ولكل ما سبق وغيره (تعالاكم) نراجع الحكاية ونشرح المعنى الكامن في بطن الشاعر:
– أولتن بالتبادي، القصة استوحيتها من حادثة قديمة وواقعية، كنت قد سمعتها ممن سمعها مباشرة من (خشم) أحد شهودها، والحادثة قديمة من زمن حبوباتنا بي رحاطتن، فالبطلة (نادية) حسب النجر النجرتو، كانت تسترجع أحداثا وقعت لها أيام زواجها الأولى، وقارنتها مع حاضرها المعاش عندما أعاد التاريخ نفسه بعد بضعة وعشرين عاما، وعادت ابنتها (دينا) المتزوجة حديثا، حردانة من بيتها في عز الليل بسبب (خلاف ما) حدث بينها وبين عريسها، ولكن الحكمة التي تعلمتها (نادية) من رأس الذئب الطائر، جعلتها تؤجل أرجاع ابنتها للصباح الرباح، عكس ما حدث معها في الماضي عندما أعادها الخال إلي بيتها و(قفاها يأمر عيش).
– تانيا، أهم قيمة يمكن استخلاصها من القصة، هي التأكيد على قدسية الحياة الزوجية ووجوب بذل المستحيل في سبيل انجاحها والعبور بها إلى بر الأمان، عبر بحر التقلبات والمشاكل التي تطرأ بين الأزواج في بداية الحياة الزوجية لاختلاف العادات والطبائع.
– تالتا، هناك البعض ممن حاول مناقشة القصة من زاوية سياسة بسمارك الداخلية وحصرها في السكر والسكرانيين، مع اننا كنا قاصدين سياستو الخارجية .. فالفكرة كانت عن الصبر على عيوب أحد طرفي الزواج أكان الراجل وللا المرا – ومحاولة معالجتها بالحكمة والمعالجة الحسنة حتى يستقيم ما انعوج من العود وتستقيم الحياة بينهما دون اللجوء للطلاق وخراب البيوت، وبالتالي فالأمر سيان مهما كان عيب الزوج، فالمراد هو الصبر عليه ومعالجته سوى أن كان هذا العيب (ضيق الخلق) أو (طول اليد) أو (البخل) أو… حتى شرب الخمر .. فان الله تواب رحيم، وهنا نتوقف قليلا لأحكي قصة قرأتها زمان – عن الامام (حسن البنا)، فقد جاءه رجل ليلتحق بمجلسه ويكون ضمن اتباعه، ولكن ذلك الرجل أخبر الامام بأن فيه عيبا كبيرا لا يدري ان كان سيسمح له بالانضمام إليهم بسببه، لأنه كان يعاقر الخمر ولا يستطيع أن يتركها، وهنا قبل الامام بحكمته صحبة الرجل وسمح له بحضور مجلسه، وسرعان ما تأثر الرجل بالصحبة الطيبة ومجالس الذكر وتاب عن علته.
وزمان أهلنا قالوا (الراجل ما بعيبو عيب) ليس من باب تأليه الرجل، ولكن لعلمهم المسبق بإمكانية معالجة ما أعوج منه ليحمل مسئولياته فيما بعد ويقوم بها خير قيام .. وهناك من كانت زمن – حبوباتنا تصبر على سفه زوجها وترضى أن يحمل إليها يوميا وهو غائب عن الوعي من شدة السكر، حتى يمن الله عليه بالتوبة ويمسك درب الله عديل .. وقد نصح شيخنا (فرح ود تكتوك) ابنته بالصبر على زوجها والاحسان إليه لأن (الحسنة معطت شارب الأسد) عندما جاءته حردانة بسبب قسوة وسوء طباع زوجها وطلبت من ابيها أن يعمل ليها (عمل) يحول زوجها لـ (غنماية مسكينة) .. فطلب منها الشيخ الحكيم ان تستأنس أسدا حتى تستطيع ان تقترب منه وتقطع سبع شعرات من شاربه كي يعمل لها العمل الكارب وقد كان، فقد احضرت الابنة الشعيرات بعد أن صادقت الاسد وسمح لها بالاقتراب منه وقطع شاربه، وهنا جاء درس الاب الحكيم عندما نبهها بانها استطاعت ترويض الاسد بالاحسان فكيف بزوجها المسيكين ؟!!
أها .. شنو ليكم لو قلتا إنو عباس بطل القصة بالجد – توفى في المسجد وهو ساجد بعد أن خلّف وراءه صبيان وبنات ناجحين ويملوا العين .. أظن كده نكون وصلنا لنهاية الخط وهاكم قروشكم كلكم .. ادلوا !
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com