شوارعنا عالي واطي وبينهما كُرْضُمّة

[ALIGN=CENTER]شوارعنا
عالي واطي وبينهما كُرْضُمّة
[/ALIGN]
قرأت قبل سنوات كتاب لسيدة مصر الأولى السابقة (جيهان السادات)، لا أذكر اسمه ولكنه كان عبارة عن مذكرات، أستعرضت فيه مسيرة حياتها منذ نشأتها وخصصت معظمه لسنوات الحياة الزوجية التي عاشتها مع (السادات) .. علقت في ذاكرتي من الكتاب جزئية حكت فيها السيدة (جيهان) عن أيام الفقر والحياة المتواضعة التي عاشتها معه عندما كان ضابطا صغيرا قبل الثورة، فقد ذكرت حسب عموم الفكرة فأنا لا اتذكر ما كتبته بالتفصيل – أنها لم تكن تسمح لقلة الأمكانات وقصر ذات اليد أن يمنعاها من الاجتهاد في صنع جو عامر بالرومانسية والجمال لزوجها بعد عودته من العمل، ورغم أن غداءهما كان يتكون من (طبق) طعام واحد، تضعه في نص الصينية مثل (عوينة أم صالح)، إلا أنها كانت تزين الصينية بزهور تقطفها من حديقة مجاورة، وتجتهد في العناية بزينة وجهها وتضبط (القشرة)، ثم تضبط الراديو على محطة تبث موسيقى هادئة أثناء الأكل .. كل ذلك الاجتهاد لم يكن يكلفها (مليم احمر)، ولكنه يلقي على مجلسهما ظلالا من الراحة والسعادة كان لها أبلغ الأثر على استقرارهما النفسي والعاطفي.
قد تكون السيدة الفضلى (جيهان) بالغت بعض الشيء في محاولة تلميع صورتها للناس و(كتّرت الحلبية)، ولكن ذلك لا يمنع من الاستدلال بتلك الجزئية من سيرتها، على سهولة أن نصنع من (فسيخ) ضيق الحال، (شربات) من راحة البال والاستمتاع بالحياة عبر المتاح من الامكانات ..
عاد لذاكرتي ذلك الكتاب بعد أن لا أقول اسعدتني الفرصة لأول مرة بزيارة مدينة أم درمان الجديدة اسم الدلع لـ (أم بدة) ، فقد كانت المناسبة حزينة، حيث ذهبت للعزاء في وفاة ابن واحدة من قريباتي لأبي، والذي ساقته المنية مبكيا على شبابه ليركب في حافلة التكلة التي ازاقت مر الفقد لنفر عزيز من أهلنا ناس الجزيرة .. وجعلتنا نسترجع نبؤة شيخنا (ود تكتوك) التي قال فيها:
آخر الزمان .. الأجل تحت العجل !
استرجعت اجتهادات السيدة (جيهان)، عندما عبرت بنا السيارة شوارع وأحياء (أم بدة) ثم عرّجنا بعدها في (غشوة) على (حي العرب) .. راعني أن القاسم المشترك بين هذه الشوارع والاحياء، ليس الفقر وبؤس الحال فذلك هو القاسم المشترك الأعظم لغالبية الأحياء في القرى والفرقان داخل السودان، ولكن ما أحزنني بصدق هو كمية الأوساخ والأتربة والكراكيب المركونة بجوار البيوت وتتمددها حتى الشوارع، والتي بدورها إمتلأت بالحفر والعالي واطي وما بينهما كُرْضُمّة، والغبار الذي غطى الحيطان والأبواب وطال كل شيء حتى وجوه أهل المكان التي ارهقتها (قترة) الظروف الصعبة .. فقد حدثت بت أم روحي بفكرة الله يكفيكم شر افكاري الطالعة فيها اليومين دي – فكرت :
ماذا سيحدث لو كل واحد من (الرجال والشباب والصبيان) من سكان أحيائنا، حمل (المقشاشة) الواحدة دي وخرج لواجهة منزله، وكنس بها آثار عدوان أكياس النايلون والأوساخ، وتخلص من الكراكيب وهكر وهياكل العربات القديمة وبقايا الدراب والطوب، ثم (قال كده ومسك الدرب ود الما مننا) .. ومسك ليهو طورية أو أجنة أوعتلة، وهوى بها ضربا على ظهور العالي والكراضم حتى سوّاها وساوى بها الواطي والحفر، ثم قال كدي مرة تاني – ومسك الخرطوش وللا حتى الجردل ورش التراب حتى تثبت الأرض وتجود بالطراوة .. وكمان- بالله – ما ضرّه لو جاب ليهو شتلة وزرعها قدام البيت .. أهو بكرة تكبر وتكون خير ملاذ له عند انقطاع الكهرباء الذي تحالف اليومين دي – مع الحر وجعل دوماتنا تخرخر عرقا وزهجا وضياقا بالوسيعة رغم وساعها ؟!!
منذ أن طالعت موضوع التعديات على الشارع العام الذي نشرته (حكايات)، ومنذ معاودتي لممارسة رياضة المشي الصباحي مجبرة لا بطلة، وأنا أتخيل نفسي يوميا أثناء نزولي من (قوز) وطلوعي في (دبة)، وخروجي من الحفر والعالي واطي في شوارع حلتنا، وجوارب الغبار التي تلبسها اقدامي جراء خوضي في تلال الرمال المكومة على جوانب الطرقات .. منذ ذلك الوقت أسرح مع نفسي واتخيلني أحمل عصاة الساحرة (سونيا) وأحول بها قبح شوارعنا إلى جمال يسر العين ولا يكلف مليم، إلا رسوم النفايات الأصلنا دافعنها .. دافعنها .. أها رايكم شنو مش كلام حلو زي البسبوسة !!
غايتو لو ما نفع معاكم، بكرة حا اطلع بفكرة (بت نعامة) لناس الجبايات، اقترح عليهم فيها فرض (رسوم تعديات وكرور)، لكل من تداهمه الكشة وقدام بيتو (عالي واطي) أو (كر جداد) وللا حتى زارب ليهو حديقة قاطع بيها تلاتة أمتار من الشارع .. شوف ديل بالله !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version