خلال الأيام السابقة التي توقفت فيها عن كتابة هذا الباب الراتب بهذه الصحيفة ،حدثت أشياء كثيرة بالبلاد ليست جديدة في الساحة لكنها تكررت بصورة ملفتة لذا صارت واحدة من نجوم الأخبارالمنتشرة في الاجهزة الاعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، وهي أعمال القتل بين ابناء ولاية جونقلي.وهذه الحوادث لها فرص وفيرة في مناقشات قمنا بها وهي في نظري تحصيل حاصل فقط وإيصال صوت غير فعال لدى المسؤلين لأنها غير مفيدة في الوقت الراهن- تتناول القتل في جونقلي خاصة عندما وجه لي أحدهم سؤالاً فهمت من صيغته وتأكدت مما فهمت فيما بعد أن السائل يريد إلقاء اللوم كما وضح في أكثر الصحف الصادرة بالخرطوم على حكومة الجنوب وليس هذا فحسب فعلينا الإقرار بفشل حكومة الجنوب والحركة الشعبية لتحرير السودان.
* كان يواجهني موقف صعب جداً خاصة وأنه عليّ أخذ واحد من الخيارات الصعبة بسبب هذا السؤال ، ويتوجب على شخصي الضعيف :أولاً الإمتناع عن الإجابة تهرباً من الإتهامات غير المؤسسة من قبل الذين لن يعجبهم ما نقوله.أو ثانياً الإجابة وفي هذه الحالة فعليّ تحمل نتائج الغباء والبلادة. وصمت لحظات محاولاً لملمة القليل مما إكتسبته من حكمة رايته عند الكثير من (الإخوان) و(الرفاق) و(المجاهدين) و(المناضلين)…. يبدو أن كلمة [سابقاً] صارت تأتي على البال دون أن تنطق بها عقب ذكر الألقاب اعلاه… المهم أنني لم أهنأ كثيراً بتلك الصفة المكتسبة والحكمة الغالية ،فقد إنطلق لساني دون وعيٌّ مني فخرجت كلمات لم تكن من مصلحتي لها الخروج. لكن ما دامت الكلمات خرجت فـ(لن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها).
* بجهل تام مني قلت لمتحدثي لا الوم ولا ادافع عن حكومة الجنوب وكذلك لا ابرئها مما يحدث من إقتتال في ولاية جونقلي, لكني قبل دخولنا في هذا الموضوع علينا النظر إلى البيئة المحلية المحيطة وفي ثقافة المنطقة التي يحدث فيها القتال بسبب أشياء هي في نظرنا نحن في المدن تعتبر توافه الأمور.
* ومما ذكرت لمتحدثي هو قولي: إذا مسكت خريطة السودان ونظرت إليها جيداً فستجد بأن منطقة البطانة الواقعة جنوب الحاج يوسف وهي تمتد إلى الشرق ثم رسمت خطاً نحو غرب السودان إلى حدود السودان مع تشاد.. فعليك أن تضع في بالك بأن القاطنين في جنوب هذا الخط إلى أقصى الحدود الجنوبية للبلاد لهم الفخر والإعتزاز لأشياء قيمة وسامية وهي ظاهرة جداً في الأغاني والأمثال والحكم.. فالبطانة يفتخرالرجل عندهم بما تحصل عليه عندما قتل العشرات من الرجال وعاد بالماشية التي كانت عندهم لأنه شجاع وهمام… ومن المؤكد أن الأشعار ستخلد ذلك الفعل.
* وهو نفسه هذا الرجل الذي يفتخر بما تحصل عليه بالقوة من قتل أو نيل بدون مقاومة له الإستعداد إعطاءك كل القطيع حال أحس بأنك ضيف لديه ويعطيك أفضل الماشية ذبيحة لإكرامك:إن ما اقدم عليه في المرة الأولى ليست جريمة لكنه لا يقبل بالحصول على تلك الماشية إذا كانت ضلت طريقها إلى بيته فهو سيبحث عن صاحبها لردها إليه لأنه لا يريد وصمة العار ويقال بأنه سارق… إنه يفعل ما هو مشروع عند مجتمعه ويعاقب عليه حسب القانون الموجود في المدينة وحسب الشريعة الإسلامية.
* ويزداد الأمر حدة كل ما ذهبت جنوب الخط الوهمي الذي اشرت إليه اعلاه….فالذي له المقدرة على ترجمة بعض اغاني الدينكا سيجد: الفخر بالأجداد والاباء الذين كانوا عيدانهم لا تخطئ… ويشبعون الطيور الجارحة…. وتغطي غبار ماشيتهم في العودة من الحرب ضوء الشمس… هذه كلها معاني تقود إلى الفخر بالقتل والسلب والإقتلاع والحصول على مال الغير بالقوة.
لويل كودو – السوداني-العدد رقم 1241- 2009-4-27