أستطيع أن أؤكد بكل ثقة واطمئنان ويقين أنه لو قيل لأحد اتحفنا بمثال على حجج واهية وضعيفة قيلت لتبرير وتمرير فعل أخرق ومفارق على غرار (العذر الأقبح من الذنب) أو (عذر برد الأقبح من ذنب بشار)، لما وجد أفضل من الحجج التي ساقها مجلس شؤون الأحزاب في رفضه تسجيل الحزب الجمهوري، فكل ما أورده هذا المجلس من مآخذ رأى أنها مما يؤخذ على الحزب وتحول دون تسجيله، كانت لسوء حظ المجلس في صالح الحزب وليست ضده بأي حال، فلا الدستور الذي احتج المجلس بإحدى مواده التي انتزعها من سياقها ووجهها لغير مقصدها تمنع الحزب من ممارسة نشاطه، ولا الادعاءات بتهديده للسلام الاجتماعي وتعارضه مع الأسس الديمقراطية للممارسة السياسية ستسعفه بل ستصفعه، ذلك لأن الحزب الجمهوري على امتداد تاريخه منذ الأربعينيات كان وما يزال هو الأكثر تسامحاً وسماحة وسلماً وسلاماً ووداعة، وهو أيضاً الأوسع صدراً للحوار والأقدر صبراً عليه والأوفر تهذيباً في خوضه وإدارته، بل إن الجمهوريين هم من علموا الآخرين أدب الحوار في الجامعات والشوارع والمنتديات، وهذه شهادة في حقهم لا ينكرها إلا مكابر. أما كونهم طائفيين ومذهبيين ولهذا لن يسمح بتسجيلهم، فتلك لعمري حجة تستدعي الرثاء والشفقة على حال المجلس وليس التفنيد والدحض، وهب أنهم كانوا كذلك فهل الطائفية حلال على الكل حرام على الجمهوريين وحدهم، ما لكم كيف تحكمون؟ ثم ما قول المجلس الموقر في كل الذي قيل من عتاة السلفيين وغلاة السنيين في بعض أفكار وأطروحات وفتاوى الشيخ الترابي ورميهم له بالكفر والزندقة والخروج عن الملة؟ والرجل هو من هو الآن وفي السابق في المشهد السياسي والإسلامي، أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ ولن نزيد. كان أكرم للمجلس لو أنه رفض تسجيل الحزب الجمهوري دون حجة أو مبرر، وقال لهم: “طلبكم مرفوض كدا بس مزاج ورجالة” بدلاً من هذه الحجج الأقبح من حجب التسجيل، والتي بدا فيها المجلس مثل أبي نواس الشاعر العربيد في حكايته مع هارون الرشيد، قيل أن الخليفة هارون الرشيد طلب من أبي نواس أن يأتيه بمثال عن كيف يمكن أن يكون الاعتذار عن ذنب بما هو أقبح منه، قيل أن أبي نواس طلب مهلة للتفكير، وبعد عدة أيام وعند دخول أبو نواس إلى القصر رأى الخليفة واقفاً عند إحدى النوافذ يتأمل حديقة القصر فاقترب منه بخفة وغافله وضربه بلطف على قفاه، فاستدار هارون الرشيد ويده على مقبض السيف، وقال غاضباً ويلك كيف تجرؤ على فعل ما فعلت، فقال أبو نواس أرجو ألا تغضب يا مولاي فقد ظننتك مولاتي الملكة، فاستشاط هارون الرشيد غضباً، وقال: ويحك أيها الفاسق القبيح وهل تجرؤ أن تفعل ذلك مع الملكة؟ فرد عليه أبو نواس: يا مولاي طلبت مني أن أعطيك مثالاً على العذر الذي يكون أقبح من الذنب، وها هو بياناً بالعمل، وهكذا فعل مجلس الأحزاب بحججه الأقبح من الحجب، إذ ضرب الحقيقة على قفاها.
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي