أتي أبو الريش بعد كفاح مرير مع المستعمر بالحرية ونال أخيرا حريته. كان ثمن حريته معارك ضارية مع المستعمر وكان ثمنها الدم الغالي. دفع إنسان السودان الغالي والنفيس من أجل أن يكون إنسانا حرا، كغيره من شعوب العالم في شتي البلدان. كان شعار السودان شعار واحد، كنته: “الوطن للجميع”. وكان يكلل الشعار تاج جميل معناه: “الوطن في حدقات العيون”. لقد كانت النفوس في السودان طيبة، مشبعة بالقومية، وكانت الأرواح رغم إختلافها الديني والعرقي واحدة الهدف. وبعد معارك ضارية وطول نضال تحقق الهدف المنشود، وتحقق نيل الحرية وتحقق الإستقلال. كان رواد الحرية في السودان أعلام كبار، وكان أعلام الحرية في السودان مثلا يحتذي به. لقد كانوا إناس في حسن ظن أهلهم البسطاء في القري والأرياف. وكان كثير من أهل السودان وأنصار الحرية يجهلون القراءة والكتابة وكمثل كثير من صانعي الإستقلال. ولكنهم أتوا رغم ذلك بالحرية المفقودة، حاملين لها علي أيادي بيضاء، أحرق حناياها البارود وأكلت ثناياها النار. لقد كتب رواد الحرية والإستقلال علي علمهم إستقلال السودان بأقلام كان حبرها دمائهم الغالية. وكان شعب السودان هو وكما كان شعب أبي وكريم، لا يثنيه الفقر، لا تقهره الشعوبوب ولا تجبره مآلات الزمان. وودع شعب السودان المستعمر دون عودة، بشهامة وفي موكب مهيب لا ينساه له التاريخ. وسجل التاريخ ذكريات زمان المستعمر في السودان وقال عنه: الشعب السوداني شعب فريد، شعب عجيب، ولم نري له في مستعمراتنا ومن الشعوب مثيل. أحقيقة هذا أم خيال: شعب يغطي بأياديه مدافع البارود وأفواه النار؟ لقد دخلنا السودان مستعمرين، ثم خرجنا منه مهزومين، ولم نشعر بأنه كان من المستعمرات. لقد أوينا السودان وكان في كل الآونة شعب حر مستقل. وبهذا لم ينتظر منا الشعب الهمام أن نعطيه حرية ملكها وكان يملكها طيلة الأزمان. لقد كان السودان شعب من أذكي الشعوب، والتي أدركت حريتها وحمتها، ومن ثم أخذتها في وهلة، وعند دخولنا مستعمرين… تابع…
وأبو الريش يمتطي حماره، مفارق لداره، متجه لبلاده عند البكور، علي يمنته طورية، وعلي يسرته حشاشة … يهمهم بلغة كونية فصحي ويقول لنفسه: … وطني ولا جوع بطني …
تابع في الحلقات القادمة مع أبو الريش… “والوطن في حدقات العيون”.
مكتبة أبو الريش الأعلامية
الجزء الأول:
… ضياع مواطن وضياع وطن …
“والوطن في حدقات العيون”