كل عام وأنتم بخير، (بمناسبة اقتراب رمضان المعظم الذي سأكون فيه على سفر طويل ولكن ليس بعقلية العربي الذي قالوا له إن رمضان على الأبواب فقال: لأبددنه بالتسفار، وكي لا يشكك أحد في قواي العقلية فلن يكون سفري خلال رمضان إلى السودان، فما من بالغ عاقل وراشد يصوم رمضان في يونيو ويوليو، بينما لديه خيار صيامه حتى في فنلندا حيث لا تظل الشمس في السماء لأشهر متصلة)
المهم كتبت خلال اليومين الماضيين عن السودان وأهله، وتوقفت تحديدا عند التركيبة السودانية، ولا أزعم أنني متبحر في هذا الموضوع، فالحديث عن القبائل السودانية أصعب من الحديث عن الأحزاب السياسية في العراق المعاصر.. ولا أعرف على وجه التحديد كم قبيلة في السودان: ربما ألف أو أكثر وربما بضع مئات، ولكنني أعرف أن هناك أكثر من مائة لغة في السودان، معظمها في جنوب السودان، (وبالمناسبة فإنني لم اعترف قط بالاتفاق الذي أفضى إلى انفصال جنوب السودان وبالتالي مازلت أنتمي إلى السودان بحدوده القديمة وأعتبر أهل الجنوب أهلي تماما كأهل الشمال والغرب والشرق ولهذا سأحدثكم اليوم عنهم: تعتبر الدينكا أكبر قبائل جنوب السودان وكان ابن السودان البار المناضل العقيد الدكتور الراحل جون قرنق دي مبيور الذي كان يوما ما «متمردا خائنا خارجا وعميلا لإسرائيل وأمريكا» ثم أصبح بعد اتفاق السلام المزعوم المشؤوم صاحب الفخامة النائب الأول لرئيس جمهورية السودان، ولقي مصرعه في حادث سقوط طائرة هليكوبتر، وكان من دعاة الوحدة والمساواة بين المواطنين وليس مثل الدراويش الذين اختاروا الانفصال بعد رحيله، ثم قادوا البلد «المنفصل» قبل ثلاثة أعوام إلى مهاوي الحروب القبلية)، المهم أن الدينكا يتسمون بطول الذراعين والساقين ومتوسط طول الدينكاوي متران، وقال الشاعر السوداني الكبير واسمه صلاح أحمد إبراهيم، في قصيدة يهجو فيها شخصا اسمه «مكاوي» ويتهمه بالوصولية والانتهازية: سبحان الله.. أخونا مكاوي/ من بعد خمولٍ/ صار جليسا للوزراء/ ويداه كساقي دينكاوي/ تمتد إلى كل الأشياء!! وهناك في جنوب السودان قبائل ذات ثقل كبير مثل النوير والشلك والزاندي واللاتوكا والتبوسا والأنواك.. ولمعظمهم علامات (وسم) في الوجوه، تحدد الانتماء القبلي، فبعضهم يعقد جلد الجبهة على هيئة كرات صغيرة من اللحم فتجد فوق حاجبيه صفا من تلك الكرات، بينما البعض يكسر بعض الأسنان الأمامية للذكر إيذانا بدخوله عالم الرجولة (وهو ما يعادل الختان عند قبائل الشمال المسلمة).. وقبيلة أخرى يرسم أفرادها على جباههم خطوطا متوازية.
ذلك النوع من الوسم كان شائعا في شمال السودان حتى ستينيات القرن الماضي، ولكن على الخدود، تجد شخصا على خده ثلاثة خطوط رأسية (111) فتعرف أنه بجاوي أو نوبي، أما الشايقية فكانت الخطوط الثلاثة عندهم أفقية، وقبيلة الجعليين اشتهرت بالوسم (نسميه في السودان الشلوخ لأنها تكون بشلخ الخد بشفرة حادة) على هيئة حرف اتش H الإنجليزي (وكأنه ممثل شركة هوندا) أو حرف تي الانجليزي.. والغريب في الأمر أن ذوي الشلخات الإنجليزية هؤلاء هم الأكثر اعتزازا بعروبتهم ويدعون الانتماء إلى بيت النبوة وأن جدهم هو العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم (فات عليهم أن العباس لم يخلف ذرية).. وذات مرة داعبتهم وقلت إن هناك روايات تنفي نسبهم إلى العباس وتنسبهم إلى (أبو نواس)،.. ومنذ يومها وأنا ممنوع من دخول منطقتهم التي تقع شمال الخرطوم.. الجعليون لا يتحملون الهزار والغشمرة فيما يتعلق بحسبهم ونسبهم، ولهم ثارات وغارات ملحمية تؤكد اعتزازهم واعتدادهم بأنفسهم.. وإذا تم تقسيم السودان – لا قدر الله – فسنقيم دولة نوبية ونعيد الجعليين إلى أرض «أجدادهم» في الحجاز،.. ولكن وبما أنهم شديدو الذكاء فقد يطالبون بتوطينهم في المنطقة الشرقية في السعودية حيث «أرامكو» بزعم أن أحد أجدادهم استقر بها في طريقه إلى العراق… وعلى أهل الشرقية أن يقنعوهم بأن جدهم استقر في الفلوجة في العراق.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]