فوزية الضكرانة ..!!
أسرعت (فوزية) تتسلق كومة الطوب المتبقي من بناء سور منزلهم الجديد، الواقع على أطراف الحي .. اعتلت كومة الطوب، ثم تشبثت على حافة السور وجلست عليه، ثم استدارت بجسدها وأنزلت قدميها للجهة الخارجية، وهمت بالقفز من أعلى السور إلى الشارع، عندما لمحها جارهم (عبد القادر) العائد لمنزله، بعد انتهاء الوردية الليلية في المصنع الذي يعمل فيه، صاح فيها في استغراب:
فوزية!! .. مالك بتنطي الحيطة نص الليل؟!!
أجابته بسرعة بعد أن قفزت الى الأرض:
ساكّا لي حرامي .. نطّا بي جاي هسي!!!
أسرعت بالجري في الاتجاه الذي أشارت إليه وهي تعدّل من وضعية ثوبها كيفما اتفق، أسرع (عبد القادر) جاريا خلفها ليلحق خطواتها المسرعة وهو يلاحقها بالتساؤلات:
سمح مختار وينو؟ خاليك تسكي الحرامي براك..!!!
أجابت من بين أنفاسها اللاهثة:
مختار نايم في الحوش القدامي .. قلتا على بال ما أصحيهو .. يكون الحرامي قطع ليهو بلد.
اضطرت للتوقف عند نهاية الشارع، المشرف على فضاءت المقابر، حيث اختفى أثر الحرامي وسط عتمتها وشجيرات السنط المتفرقة فيها، قال (عبد القادر) وهو يلهث:
خلاص نرجع يا فوزية .. بعد ده الحرامي ما بنلِم فيهو .. بكون اندس نص القبور.
توقفت وصفقت بيديها بحسرة ثم استدارت عائدة وهي تقول:
كنتا دايرة الِم فيهو وأفهمو حاجة (ود الكلب) ده .. عشان تاني ما يفكر ينط حيطة بيتنا.
كانت نشأة (فوزية) كفتاة وحيدة بين مجموعة من الصبيان سببا لميلها للخشونة في طفولتها، فمع استعداء إخوتها الدائم لها، وانتهاكهم لخصوصية حاجياتها، وتعمدهم مضايقتها بمداعباتهم الخشنة، وخطف ألعابها والجري بها، تضطر للدفاع عن نفسها ومبادلتهم المخاشنة، كما كان ميلها لمشاركتهم اللعب في الشارع سببا آخر لتنامي خشونتها، حتى فاقت أندادها وحازت على لقب (محمد ولد) بجدارة.
كانت في مفرداتها تتحدث عن نفسها بصيغة المذكر فتقول:
أنا جيعان .. أنا عايز مويه .. أو أنا ماشي الدكان.
وفي المساء كانت تصطف مع إخوتها، وتصر على أن تقضي حاجتها وقوفا على الحائط مثلهم قبل الخلود الى النوم، أما أكبر معاناة أمها فكانت عندما يجمع أبوها إخوتها لـ (الزيانة) بموس الحلاقة، وحلق رؤوسهم (دلجة)، فكانت تبكي وتصر على أمها:
أنا عاوز أحلق صلعة زيهم!
فتقوم أمها بقص بضعة خصلات من شعرها وتقنعها بالقول:
(حلاقة البنات ياها كدي).
عندما شبت عن الطوق تحولت من (محمد ولد) الى صبية جميلة و(عقلت حبة)، ولكنها احتفظت بشخصيتها القوية المستقلة، واعتمادها الصلب على نفسها في إدارة شئونها بعيدا عن دلع البنات، ولذلك بعد زواجها لم تتأثر كثيرا من غياب زوجها الدائم (مختار)، فعمله كأستاذ ثانوي، كان يقتضي منه التنقل بين مدارس القرى، فكان لا يعود الا في فترات متباعدة وفي الاجازات السنوية.
قامت في غيابه بتربية أبنائها في كفاءة تحسد عليها، مما جعل من (مختار) في وجوده وغيابه مجرد ضيف لا يحمل هما.
قلق والداها من اصرارها على السكن وحيدة مع أبنائها، في المنزل الجديد عندما اكتمل بناؤه لبعده عنهم، ولكن الأيام أثبتت لهم بأن فوزية (الضكرانة)، اسم على مسمي ولا خوف عليها.
انفصلت عن جارها (عبد القادر) عندما وصلت الى بيتها بعد عودتهم من مطاردة الحرامي .. تأملت السور العالي وعدلت عن فكرة راودتها بتسلقه عائدة للداخل، فاستدارت وتوجهت الى الباب الخارجي وطرقته بشدة .. استيقظ (مختار) منزعجا وهو يقول:
اللهم اجعلو خير .. منو الفي الباب؟
تقدم من الباب في خطوات متعثرة من اثر النوم، ثم واصل كلامه في ذهول عندما فتحه ليجد (فوزية) تقف أمامه:
فوزية؟!!! …كنتي وين يا مره ؟!!
أجابته وهي تتخطاه:
سكّيت لي حرامي .. الا زاغ مني (ود الذينا).
انحنت وعبرت لداخل البيت من تحت يده التي يمسك بها الباب، دون أن تتوقف لتروي فضوله لسماع قصة (سكّة الحرامي) .. همست لنفسها وهي توليه ظهرها وقد اغاظها نعته لها بـ (مره):
يمرمر كبدتك علي مصرانك….. ثم رفعت صوتها منذرة:
أنا يا راجل ما قلتا ليك تاني ما تقول لي يا مره ؟!!!
[/JUSTIFY]
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]