المراقبة والمعاقبة

[JUSTIFY]
المراقبة والمعاقبة

هو عنوان كتاب لـ (ميشيل فوكو) الفيلسوف الفرنسي المعروف والذي كانت له إسهامات مقدرة في الفكر التربوي وتحديداً في مجالات الفساد وانتقاله وتطوره وأنواعه.
وخلف هذه القضايا عانى ميشيل لدرجة تعرضه في مرحلة من المراحل لحالة نفسية استدعت علاجه بواسطة الأطباء.
هي نظرية (المراقبة والمعاقبة).. والتي لا حديث لمجالس الخرطوم إلا عن ثورتها المفاجئة؛ فلا تكاد تطالع مقالا رائجا هذه الأيام إلا وتجد في موضوعه قضية الفساد بشكل عام أو قضية فساد محددة وبعينها.. قضايا الفساد هي الوحيدة التي تشغل بال الناس هذه الأيام.. ولكن بطريقة سالبة تجعلهم يعطلون كل تفكيرهم عند محطة واحدة فقط هي انتظار كشف الفساد، في حين أن حالات الفساد التي طفحت للسطح هذه الأيام يمكن احتسابها ضمن حالة الانتقال الذاتي للنظام نحو مرحلة الشفافية؛ وبالتالي فإن الآلية الموجودة والتي ربما قد تحتاج لتطوير قانوني ودستوري لكنها لا تبرر التعطل والانتظار بوهم أن مشروع كشف الفساد سيخرج كنوزا من تحت الأرض، تغنينا عن التفكير في العمل والإنتاج ونهضة بلادنا.. فقط كشف الفساد وكشف (الحرامية) السرقوا (قوت الشعب)..!!
قد ينظر أحدهم لحديثي هذا على أنه رأي غريب، لكنها الحقيقة. إن الإحساس بالبحث عن سبب الألم على حساب علاج الألم يعني مضاعفة حالة الإصابة التي ألمت بك، كما أن الإحساس بالبحث عن رمزيات وتماثيل نمارس فيها القذف بالحجارة ونفرغ فيها لعناتنا وغضبنا المتراكم.. هذا الإحساس يعبر عن حالة إسقاطات اجتماعية خطيرة لتعويض الشعور بالخيبة أو الشعور بالفشل..
الصحافة – بعض أقلامها طبعاً – تريد أن تقول للشعب السوداني إن مسروقاتكم التي تسببت في هذه الضغوط التي تعانونها قد كشفنا سارقيها.. الأول ثم الثاني ثم الثالث.. وعليكم فقط الانتظار.. انتظرونا..
لكننا لو انتظرناهم بهذه الطريقة فسنقضي سنواتنا القادمة ليس في تصحيح مسارات سلوكنا الإنتاجي واستنهاض الهمم لبناء الوطن، بل سنقضيها في ممارسة حالة ارتياب وتشكيك في كل مايملكه الآخرون ولا نملكه نحن.
سنقضي سنوات أخرى قادمة ننصب فيها أنفسنا قضاة جزافيين نطلق الاتهامات الرشاشة على الجميع.. نحقد ونرتاب ونتشكك في كل شيء..
وأسوأ ما في هذه الحالة الخطيرة التي دهمتنا أنها تتم بعمليات تحريض ساذج من الكثير من أقلام السلطة الرابعة لخلق وصناعة بطولات زائفة.. أصنفها هي نفسها في خانة الفساد والإفساد.. إفساد العقول وإفساد تفكير الناس وجرهم نحو حالة مثل حالة من وجد متجره الكاسد مسروقاً فانتهزها فرصة وأغلق المتجر وطفق يسير هائما في الطرقات بلا هدى متصالحاً مع وهمه بأنه الغني الذي يبحث عن ماله المسروق.. في حين أن قضايا الفساد كملف جاد ومهم من ملفات الإصلاح السياسي يجب أن لا يتسبب علاجها وكشفها في إحداث حالة شلل انتظاري سالب ومعطل للإنتاج وللحياة.. أو مضاعفة الكراهية الطبقية أو الاجتماعية.
يجب أن لا تستغرقكم طريقة (ميشال فوكو) فالرجل لم يكن كاملا، ولم يكن يصلح حتى لأن نتوِّجه بطلًا نبيلاً أو قدوة في الطهارة والنقاء، خاصة وأن ميشال توفي بسبب مرض الإيدز بعد أن أدمن ليالي المجون والشذوذ..
أسسوا أنتم لآلية محاسبة ومراقبة ومساءلة قانونية بأثر رجعي واتركوها تعمل عملها وانصرفوا للمفيد والقادم الآتي.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي
Exit mobile version