اللاجئون السودانيون :العودة إلى الأوكار القديمة

كان (جابر) واحدا من تسعة شباب خرجوا من قريتهم في الكرمك بالنيل الأزرق قبل 7 سنوات الى مصر كلاجئين في رحلة بحثهم عن الهجرة الى اوربا ولكن وبعد رحلة طويلة من المعاناة قرر جابر العودة الى قريته الصغيرة وقد تخلى عن كثير من الاحلام التي صاحبت رحلته كلاجئ عبر وضع معيشي افضل.
وقال (جابر) لقد عانى الكثيرون من هذه الفكرة خصوصاً الذين قرروا الذهاب إلى اسرائيل ومنهم أصدقاء ومعارف كانوا استطاعوا التسلل إلى اسرائيل عاد بعضهم متسللاً أو ظل البعض في هذه الرحلة التعيسة فالجميع لم يكونوا ينظرون إليهم سوى انهم اشخاص غير مرغوب في وجودهم. ولذلك قرر الكثيرون العودة إلى المكان الذي خرجوا منه فالبقاء في ظل ظروف صعبة افضل من الوجود في مكان لا يشعرون فيه بأنهم اشخاص غير مرغوب فيهم.
وكان هنالك أكثر من 18 ألف لاجئ سوداني الآن في دولة مصر قرروا العودة الى البلاد بشكل طوعي بعد ان طالت اقامتهم وهم في حالة انتظار للحصول على اذن اللجوء الي احدى دول الغرب. وقد شهدت فترة اقامة اللاجئين في مصر احداثا متعددة كان من ابرزها حادثة ميدان مصطفى محمود بالمعادي في شتاء العام 2006م والتي راح ضحيتها العديد من اللاجئين السودانيين الذين أجلتهم السلطات المصرية بالقوة عن الميدان غير ان قضية التسلل عبر الحدود المصرية الاسرائيلية كانت هي الحدث الابرز الذي ظل يتكرر بصورة دائمة وادى الى فقدان العديد من اللاجئين السودانيين لحياتهم أما من عصابات البدو في تهريب البشر أو من حرس الحدود والجيش الاسرائيلي. وقد تفاقمت قضية اللاجئين السودانيين بعد تطور التعقيدات في قضية دارفور والتي لجأ أحد فصائلها المتمردة الى فتح مكتب علاقات له في دولة العدو الاسرائيلي.
لكن مشكلة اللاجئين السودانيين لا تقف عند حدود اللاجئين السودانيين في مصر فهنالك اللاجئون السودانيون في شرق تشاد والذين تعرض أكثر من 80 طفلا من معسكراتهم هنالك الي الخطف بواسطة منظمة فرنسية قبل عام ونيف، وكذلك هنالك اللاجئون السودانيون في كينيا ويوغندا واريتريا واثيوبيا، لتأخذ قضية اللجوء أبعادا متعددة الجوانب تتخطى حدود اسباب اللجوء السياسي والاقتصادي إلى جوانب أخرى ،واللجوء يعتبر شكلا من الاشكال التي يتخذها السكان على الحدود لتوفر ظروف كثيرة من بينها التداخل القبلي واللغوى الذي يسود في السودان والدول التي تجاوره.
وقد ذكرت ورقة بحثية عن التداخل القبلي واللغوي بين السودان والدول الافريقية أعدها الدكتور كمال محمد جاد الله وقدمت في ندوة تعزيز العلاقات السودانية الافريقية والتي نظمها مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية ووزارة الخارجية في أغسطس الجاري، وقد جاء فيها ان عدد القبائل واللغات المتداخلة بين السودان والدول الافريقية التسع يمكن تقديره بأكثر من 65 قبيلة ولغة من جملة أكثر من مائة لغة هي عدد الفعلي للغات في السودان ،أي ان أكثر من 50% من لغات السودان متداخلة مع الدول الافريقية المجاورة. فالسودان يتداخل مع تشاد 7 قبائل ولغات ومع اثيوبيا 10 قبائل ولغات ويوغندا 9 قبائل ولغات ومع الكنغو 8 قبائل ولغات ومع افريقيا الوسطى 9 قبائل ولغات ومع ليبيا قبيلتين ولغتين ومع مصر 3 قبائل ولغات ومع كينيا 3 قبائل ولغات وارتريا 3 قبائل ولغات.
ولعل ما خلصت إليه ورقة الدكتور جاد الله إلى امكانية التواجد في هذه الدول في حالة توفر الظروف الموضوعية والتنقل فيها وان كل ذلك من بوابة اللجوء. ولكن وعلى الرغم من ان دول الجوار اعتبرت محطات يركن إليها اللاجئون ويبحثون بعدها عن وسيلة للانتقال الى مسافات ابعد أو ان الكثير منهم قرر العودة من هذه المحطات، وقد بدأت الخطوات العملية لاستقبال اكثر من 12 ألف لاجئ سوداني من المقيمين في مصر بعد ان تقدم هؤلاء اللاجئون بطلبات للعودة الى السلطات المصرية والسودانية بالقاهرة، وقد سألت الدكتور عبد الباقي الجيلاني وزير الدولة بوزارة الشؤون الانسانية عن الخطوات التي تم اتخاذها للعودة الطوعية، فقال لي لقد قام اللاجئون السودانيون في مصر بابداء رغبتهم في العودة الطوعية إلى مناطقهم في السودان وهم حوالي 18 ألف لاجئ والذين هم في وضع مكتمل لترحيلهم في حدود 12 ألف لاجئ ، ونحن في وزارة الشؤون الانسانية مسؤولون عن الجوانب الانسانية وقد قمنا من خلال اللجنة المكلفة باعادة هؤلاء اللاجئين ، باجراء مسح للمناطق والقرى التي ينتمي إليها هؤلاء اللاجئون، وهي في ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان وولايات دارفور ، وسوف نجري اجتماعات أخرى مع جميع الاطراف المعنية بهذا الامر في مفوضية اللاجئين والامم المتحدة والسلطات المصرية وذلك لاكمال العمليات التنسيقية لترحيل هؤلاء اللاجئين إلى مناطقهم.
اذن فقد بدأت رحلة العودة الى الاوطان بعد سفر اللجوء الطويل، ولكن هل فعلاً توفرت الظروف المناسبة لعودتهم، أم انهم انتهى نظرهم الى حيث انتهت مصائر الذين سبقوهم من اللاجئين؟ سؤال لا يستطيع الاجابة عليه سوى اللاجئين أنفسهم، ولكن ما قاله أولئك الذين يستقبلون هؤلاء اللاجئين في الدول الغربية فقد اجابت عليه قمم ومؤتمرات فيها دول الغرب من امثال الاتحاد من اجل المتوسط والتي طلبت من دول السواحل الافريقية المتوسطية المساعدة في منع هجرات اللاجئين الى شواطئها، والمساحة ما بين محطات اللجوء في دول جوار السودان وملاذاته في دول الغرب تطول حيث الظروف القاسية التي يخرج بها هؤلاء اللاجئون وتتطاول في أحيان كثيرة بسبب عدم الرغبة في استقبال اللاجئين التي تبديها دول الغرب.
أمين أحمد :الصحافة

Exit mobile version