ما الذي دهى شرق البلاد، فعلاوة على دواهيه وكُربه الكثيرة، من حلايب والفشقة و(السياحة المدعاة) و(الفقر والدرن والجهل)، وسفينة النفايات، وباخرة المخدرات، وجبهة الشرق وصندوق تنميته، وولاة ولاياته الثلاث، ثم (غزوة الخنازير)، وأخيراً: (معركة الكلاب) في قرورة.
والمعركة الأخيرة هذي، أسفرت – بحسب الزميلة (آخر لحظة) – عن إصابة أربعة عشر مواطناً، بعضهم إصاباته خطيرة جراء هجوم كاسح شنته مفرزة من الكلاب التي (نزلت) من أعالي جبال الساحل الإريتري، وقضت على الكثير من الماشية قبل أن تحاصر المدينة (قرورة)، وتشن عليها هجوماً ضارياً لم يجد المواطنون بداً من صده عن طريق الأسلحة البيضاء (سيوف وسكاكين).
وكان نائب دائرة قرورة بالمجلس التشريعي لولاية البحر الأحمر، شكا تقاعس سلطات ولايته عن حماية المواطنين من هجمات الكلاب.
شكوى نائب (قرورة) تجعل التأمل في ما يقوله المسؤولون (عبادة) فيها أجر عظيم إن شاء الله، خاصة وأن السلطات (السياحية) في الولاية الساحلية، لا تأبه بما يعاني منه مواطنوها في الأرياف النائية من معيشة ضنكا، يجرفهم السيل، يسحقهم الفيضان، تقتلعهم (الهبباي)، ينهشهم الجوع، يقتلهم السل، فهذا كله (سقط متاع)، أما المتاع الحقيقي فيكمن في متعة السياحة.
ثم، أيها الناس، لماذا يسكت النواب في (الشديد القوي) وحين البأس، ويتحدثون في (الفارغة والمقدودة)، من شاكلة معركة الكلاب وغزوة الخنازير، أحلال على الشرق انتهاكه من كل صوب وحدب ومن (كل جنس)، وحرام ذلك على الخنازير والكلاب؟
لكن دعونا هنا من الخنازير، لا يقولنَّ أحد علينا كما قال طلاب المعهد العلمي في الشاعر الكبير (التيجاني يوسف بشير) (كفر ابن يوسف من شقي واعتدى وبغى)، واتركونا مع (الكلاب)، التي يعتبرها كثيرون حيوانات رفيقة، أليفة، وفيه، حتى أن أبا بكر محمد بن خلف المعروف بابن المرزبان ألف كتاباً ضخماً في ذلك بعنوان (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) قدم فيه مرافعات رائعة عن (الكلاب)، مدعومة بأبيات شعر أروع، مثل ما جادت به قريحة (أبو العباس الأزدي): (لكلب الناس إن فكرت فيهم/ أضر عليك من كلب الكلاب/ لأن الكلب تخسؤه فيخسا/ وكلب الناس يربض للعتاب/ وإن الكلب لا يؤذي جليساً/ وأنت الدهر من ذا في عذاب).
وتلك لعمري مرافعة رائعة، ودفاعاً مستحق عن فضل الكلاب على من لبس الثياب، فهل رأيتم يا أعزكم الله كلباً ينبح بأكاذيب، ويلغ في الفساد، ويأكل أموال بني جلدته بالباطل، ويفسد في الأرض ويسوح فيها بينما جراؤه تموت من الجوع، إذا فعل ذلك فلن يكون كلباً، سيكون إنساناً.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي