حكت لي صديقتي تلك قصة مؤثرة جعلتني أستحضر جملة خواطر وأفكار، واسترجع ذكريات عزيزة، ثم أجمع بين (القصة والخواطر) لأستخلص منها فكرة (بت غزال) تعالوا نقلّبها معا:
حكت لي صديقتي التي (رحلت) لهذا الحي حديثا، عن زيارتها ذات نهارية لاحدى جاراتها للمؤانسة وتوثيق المعرفة والصلة .. فعندما طرقت صديقتي على جارتها الباب، وجدتها منهمكة في غسل ملابس أهل بيتها، حيث كانت تجلس في الظل على بنبر وأمامها طستي غسيل وبجوارها كومة من الملابس .. احسنت الجارة استقبال صديقتي ثم افردت لها مكانا لتجلس على كرسي بلاستيكي بجوارها، ثم أسرعت بلفح ثوبها الملقي على الأرض وخرجت لتحضر لها زجاجة بارد من الدكان القريب .. عادت لمواصلة (الغسيل) نزولا على (حليفة) صديقتي بأن:
عليك الله أقعدي واصلي غسيلك.
إلى هنا والقصة عادية لولا أن صديقتي قد أخبرتني عن تأثرها الشديد يا حليلا الحنينة – عندما لاحظت حالة الملابس التي تغسلها الجارة، فقد كانت قديمة باهتة الألوان من كثرة الغسيل، تلوح عليها آثار (خيوط الشلالة) التي أعملتها (الإبرة) في جسد الفساتين والجلاليب المهتري لرتق (الفتوق) التي تضاهي رقعة (شملة بت كنيش) !!
حكت لي تلك الصديقة عن حيرتها في كيفية التصرف السليم، فهي تمتلك كمية كبيرة من الملابس شبة الجديدة، والتي ضاقت عليها بعد قيامها من (الوضوع) بوزن ينافس أوزان رافعي الأثقال ! وتلك الملابس تلائم جسد الجارة وقوامها، لكنها أي صديقتي – تخاف أن تجرح مشاعر جارتها فهي سيدة كريمة الخصال عزيزة النفس رغم كثرة المسئوليات والعيال مع تواضع دخل زوجها الذي يعمل في وظيفة كتابية بسيطة.
حيرة صديقتي في كيفية مساعدة جارتها دون أن تشعرها بالدونية أو الإزلال، دفعت لخاطري بمجموعة أفكار، فتبادل المنافع (الهدومية) عادة أصيلة من عادات الأسر السودانية، وجميعنا كنا نلبس ملابس اشقائنا الأكبر عندما تضيق عليهم، ثم نحيلها للاصغر منا من الأخوات أو الأقارب الأقربين .. ولقد لاحظت أن الكثيرات من المغتربات يعانيين شد المعاناة من تكدس حقائب وكراتين الملابس التي تضيق على الابناء نتيجة سرعة نمو الاطفال وهي ملابس متينة وجيدة، ولكن تظل المشكلة في كيفية شحنها للسودان وتوزيعها على المحتاجين، دون السقوط تحت براثن أباطرة تجارة الملابس المستعملة فهي تجارة رابحة جمعوا من ورائها الثروات.
فكرت في أن تبدأ مجموعة ثورية من ربات البيوت بتقليد فكرة (الاسواق الخيرية) المنتشرة في الغرب، وهي أسواق تتكون من طاولات وخيام متحركة تقام في الاحياء السكنية بصورة دورية، وتعتمد على فكرة أن تقوم ربات البيت بالتخلص من الاشياء والملابس والادوات المنزلية التي لا يحتاجون إليها وبيعها بأسعار رمزية .. وهن بذلك يتخلصن من الكركرة والتخزين ويمنحون ما فاض عن حاجتهم لمن يحتاجها من الجيران بسعر رمزي لا يوقعه في حرج قبول الصدقة أو الإمتنان عليه بها .. ولكن قبل أن أسرح بعيدا وراء هذه الفكرة (النيّرة) انتبهت لسهولة اختراق هذه الأسواق من العاملين في تبديل ( العدّة) و(الخرد) الذين سيجدون فيها عيدهم .. اقترح وضع حرس من شباب الحي على تلك الخيام يعرفون هؤلاء الجماعة بسيمائهم فيمنعوهم من أن (يعتّبوها).
كذلك يمكن أن نطلق نداء نسميه (بنوك الكرته) على وزن (بنوك الطعام)، للاستفادة من طاقات وأوقات فراغ (الحناكيش) و(أولاد العز) في الإجازة الصيفية، وذلك بتكوين مجموعات منهم تقوم بجمع ما فاض عن حوجة بيوتهم وبيوت زويهم ثم الطواف بها بـ (ليل) على بيوت المحتاجين والمهمشين في الاحياء الطرفية.
طبعا ممكن زول (خلبوص) يقول لي: اشمعنى بس الحناكيش ؟
أقول: حتى لا يقوم (العاملين عليها) بالاستحواز على أجود الموجود من الملابس ومصادرتها للقشرة بها وترك ما عداها للمساكين .. أو ما يتركوها (كلو كلو) ويقوموا بيها كلها .. ما بعيد عليهم !
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com