هذا المقال والذي يليه قائم على فرضية ان الندوات السياسية التي بدأت تظهر في سماء السودان السياسي بعد ان قرر الحزب الحاكم توسيع كوة الحرية؛ هذه الندوات ليس لها مفعول سياسي يذكر لأسباب موضوعية وإجرائية فمن حيث الموضوع فهذا زمان السموات المفتوحة فالشخص وهو مضطجع في غرفة نومه أمامه مئات القنوات ثم وهو في ذات الحالة يمكنه تناول جواله ليجد في موقع التواصل الاجتماعي كل أخبار السودان والدنيا
من ناحية اجرائية الذهاب الى الندوة يحتاج لوقت وقدرة مادية فهل هذان العنصران متوفران لدى كل سوداني؟ المرتاحون اصحاب العربات الخاصة ليس لديهم وقت لإضاعته في الذهاب لندوة لن يسمع فيها شيئا جديدا، اللهم الا اذا كان من اصحاب الالتزام الحزبي وفي هذه الحالة سوف يصبح الذهاب للندوة هو الغاية اما اذا كان من الذين يعتمدون على المواصلات العامة فالأمر يحتاج لزمن ومال اولى بهما اولويات اخرى عليه سوف تعتمد الندوة في حضورها على سكان الحي المقامة فيه هذا اذا كانت لديهم اهتمامات سياسية.
قبل ان نسترسل في اثبات فرضية ان الندوات السياسية قد باخت وعفى عليها الزمان لابد من رجعة قليلة للماضي القريب فقديما كانت تسمى الليلة السياسية والفرق هنا ليس في اللغة فحسب بل في المضمون فكلمة ندوة توحي بأن الكلام فيها سيكون عقلانيا وبالتالي يحتاج لنبرة هادئة بينما الليلة السياسية تشير لمخاطبة الوجدان والعاطفة وبالتالي تكون اللغة فيه أميل للانفعال.
بعيدا عن التجريد لنضرب لما ذهبنا اليه اعلاه مثلا, فقد شهدت بأم عيني في ليلة سياسية في الجزيرة في 1968 الجماهير وهي تحمل فوق أعناقها الشريف حسين الهندي من سيارته الى المنصة مباشرة حيث ترجل له من المنبر الرشيد الطاهر بكر الذي كان يحكي في قصة تحوله من الاخوان المسلمين للحزب الاتحادي وكانت الجماهير تهتف (اكان ما هندينا اكنا عرينا) وبدأ الشريف خطابه بوصف مزارع الجزيرة بأنه جمل الشيل ثم دلف للوضع السياسي العام فسأل الجماهير عمركم سمعتو سمك, لبن, تمر هندي اتلموا سوا؟ فيجيبه الحضور بملء حناجرهم لا لا لا. أها ياجماعة دا حصل في الخرطوم طائفي رجعي (الصادق) ومسلم متزمت (حسن الترابي) وكنسي صليبي (وليم دينق) ديل اتلموا في حاجة اسمها مؤتمر القوى الجديدة. الجديد هنا شنو الاسلام ولا المسيحية ولا الطائفية؟ انه اللعب بعقول الناس و….
في ليلة سياسية اخرى شاهدت عبد الماجد ابوحسبو في رفقة الازهري فاستمع الناس بشيء من الهدوء للازهري ولكن ما ان اعتلى ابو حسبو المنصة حتى هاج المكان وماج ووصل الهتاف عنان السماء (اضرب اضرب يا ابو حسبو احرق احرق يا ابوحسبو) ثم يبدأ حديثه أحرق ماذا واضرب ماذا؟ اضرب الميت ام احرق الرماد؟ يد الحرير (يرفع يده اليمنى باسطا كفه) من الدراسة للرئاسة (الصادق المهدي) ثم ينطلق الرصاص في الهواء طاخ طاخ طاخ ويواصل ابو حسبو ثم يقف احدهم ويرفع عكازه في الهواء كما البندقية مصوتا كف كف كف (يعني انا ماعندي بندقية كما الآخرين لكن لازم أعبر عن شعوري ) فيحييه ابوحسبو تحية خاصة ويرد الحضور التحية بهتاف أقوى.
هكذا كانت الليالي السياسية التي يشد اليها الناس الرحال فهل يمكن ان ترجع ذات الصور الدرامية؟ نحن هنا لا نقيم إنما نوصف فقط فانتظرونا غدا إن شاء الله.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]