اعترف تقرير حكومي بصعوبة تحقيق السودان لاهداف الانمائية الالفية فى مداها الزمني المحدد بـ2015 قبل ان يؤكد بان الفرصة مازالت مواتية لاحراز تقدم اكبر فى حال تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات والخطط القومية بفعالية وكفاءة .
واعتبر التقرير الصادر من المجلس القومي للسكان لاستعراض وتقييم الخصائص السكانية للسودان بعد خمسة عشر عاما من انعقاد مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية وتنفيذ اعلان داكار ، اعتبر ان انتاج النفط لم ينعكس فى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين الامر الذي ادي الى ارتفاع مستوي الفقر بين السكان من 55% -95 %.
وانتقد التقرير تدني الانفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية وحذر من مغبة تأثير ذلك على قطاعي الصحة والتعليم وطالب بتسريع جهود التنمية خاصة للفئات المتأثرة بالحرب والمناطق المحرومة اذا اراد السودان احراز تقدم نحو اهداف الالفية كما حذر من خطر استمرار النزاع المسلح وانعدام الامن الانساني فى دارفور والصراعات التي يمكن ان تشتعل فى غيرها من المناطق المعرضة للانفجار والصراعات إلى ادارة الموارد المتعلقة بالأراضي والمراعي والمياه .
وناقش التقرير الذي استعرض الاربعاء الماضي بالخرطوم العديد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية للسكان ومؤشرات الفقر وقضايا الصحة الجنسية والانجابية كما تطرق للتوزيع السكاني والهجرة الداخلية وقضايا اللاجئين والنازحين بجانب تعرضه للازمات الانسانية وحالات الكوارث وتعبئة الموارد والشراكات والتنسيق .
الفقر والتنمية المستدامة
كشفت مؤشرات التقرير الاجتماعية والاقتصادية عن شدة حدة الفقر وسوء الاحوال المعيشية للغالبية العظمى من السكان فالنمو السكاني المرتفع جدا والبالغ نسبته (2،53) يقابله انخفاض فى متوسط العمر المتوقع عند الولادة بـ(55) عاما وارتفاع فى معدل وفيات الامهات والتي وصفها التقرير بانها الاعلى فى العالم 1107 لكل 100000 امرأة حامل كان النصيب الاعلى لجنوب السودان الذي سجل 2037 حالة وفاة لكل 100000 امرأة حامل مقابل 638 حالة في الشمال، والرضع 81 حالة وفاة لكل 1000 حالة ولادة و112 حالة وفاة للاطفال دون سن الخامسة الى ذلك اكد التقرير تفشي امراض الاسهال والالتهاب الرئوي والامراض المرتبطة بالفقر كما كشف عن اصابة 32،5% من الاطفال دون سن الخامسة بسوء التغذية المزمن او الحاد فى مقابل معاناة 31% من نقص الوزن .
واقر التقرير بتدني نوعية خدمات الامومة ورعاية طوارئ الولادة فى المرحلتين الاساسية والاحالة على المستوى الاول الامر الذي دفع 77% من النساء الى الولادة فى المنزل واعترف بانخفاض معدل انتشار وسائل منع الحمل الى 8% فى الشمال نظير 1% بالجنوب وحذر التقرير من مغبة ازدياد معدلات حمل المراهقات بالجنوب والتى قدرها بـ204 لكل 100000 فتاة فى ظل ارتفاع معدل الحاجة غير الملباة لتنظيم الاسرة .
وبالرغم من الزيادة الكبيرة التى طرأت على انفاق الحكومة على برنامج الحد من الفقر الا ان التقرير يرى ان الانفاق على الفقراء لايزال بمستوىً غير كافٍ ويعتبر واحداً من سلبيات محفزات عجلة التنمية وعزا التقرير ازدياد معدلات الفقر بالبلاد الى وجود مستويات عالية من البطالة والعمالة المقنعة حسب وصفه حيث تشير الاحصاءات الى ان هنالك اكثر من 60% من القوى العاملة فى الحضر يعملون فى القطاع غير الرسمي او فى مهن هامشية وتوقع التقرير ارتفاع مستوى الفقر خصوصا فى اوساط الاسر التى تعولها نساء والتى قدرت بـ 12%.
من ناحية اخرى وصف التقرير الموقف المالي للبلاد بالتدهور خصوصا فى الفترة من 2005 -2007م والذي تمثل في نقص الايرادات والتوسع فى النفقات حيث بلغ متوسط العجز النقدي من الناتج المحلي 3% فيما بلغ الفائض 1،75 بينما وصف التقرير اجمالي الايرادات بالضعيف وقال انه يعتمد الى حد كبير على القاعدة الضريبية فضلا عن الحوافز والاعفاءات الضريبية ،واشار التقرير الى حاجة البلاد الى السيطرة على الاختلالات المالية الخارجية وتقوية القطاع المالي وتحسين بيئة الاعمال التجارية فى ظل موجة عدم الاستقرار التى تسود العالم وذلك عبر تحسين تحصيل الايرادات من خلال تعزيز الادارة الضريبية واصلاح الضريبة على الدخل الشخصي ووضع ضوابط صارمة بما يتفق مع النفقات النقدية المتاحة وتقليل الاعتماد على النفط بجانب تنفيذ برنامج الاصلاح الهيكلي والاشراف بحكمة على القطاع المالي وتحسين مناخ الاعمال لجذب المزيد من الاستثمارات فى الانشطة الاقتصادية .
وحذر التقرير من خطورة الديون الخارجية للسودان والبالغة 28 بليون دولار منها 24 بليون دولار متأخرات مشتركة مابين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقال انها تحد من فرص السودان للحصول على التمويل بشروط ميسرة فى ظل ضعف مقدرة السداد حتى بعد توسع سياسات الاقتصاد الكلي وزيادة عائدات النفط .
المساواة والعدالة بين الجنسين
رغم الالتزام السياسي بالنوع الاجتماعي الا ان التقرير يعتبر ان التقدم المحرز فى وضع المرأة الحقيقي لايتفق والاهداف التى وضعت فى اطار الدستور الانتقالي فالانفاق العام على التعليم مايزال ضعيفاً خصوصا بجنوب السودان الامر الذي يشجع الاسر على الزواج المبكر واللجوء الى عمالة الاطفال لتلبية الاحتياجات المنزلية اما فيما يتعلق بالتمثيل السياسي فيرى التقرير ان غالبية النساء ما يزلن خارج عملية صنع القرار ودعا الى تحسين الهيكلة والموارد لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لضمان تكامل ومشاركة المرأة بجانب تعزيز وزارة العدل فى الشمال لمكافحة العنف ضد النساء والاطفال عن طريق المحاكم الرسمية والقانون العرفي خاصة بالنسبة لحالات الاستغلال الجنسي والعنف القائم على اساس النوع والذي يجعل النساء عرضة للاصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وختان الاناث المتفشي فى شمال السودان بنسبة 70% .
الصحة الجنسية والانجابية والمراهقون
كشف التقرير عن ان السودان هو الاكثر تضررا فى شمال افريقية والشرق الاوسط من تفشي فيروس المناعة المكتسبة الايدز حيث يقدر المصابين بنحو 500000 شخص فيما بلغ معدل الانتشار بين البالغين 1،6 % واظهر التقرير وفقا لمسح تم فى العام 2007 ضعف معرفة الشباب والمراهقين بالمسائل ذات الصلة بالتربية الجنسية وطالب التقرير بايجاد حلول للمشكلات التى تعيق تقدم الشباب والتى حصرها فى التمويل والآثار السلبية للعولمة والتعرض للمؤثرات الثقافية والبطالة وزيادة الاصابة بفيروس الايدز وتعاطي المخدرات والعنف الاجتماعي نتيجة الصراعات المسلحة والنزوح الداخلي.
الى ذلك اشار التقرير الى تفشي الملاريا وظهور حالات جديدة للسل وقال ان حوالي 80% من السكان فى شمال السودان معرضون لخطر انتقال الملاريا وحسب مسح مؤشرات الملاريا فى اكتوبر 2005م فان انتشار الملاريا بين الاطفال الذين تقل اعمارهم عن خمس سنوات تتراوح بين 0،4-15،5 وبين 3،7 -10،3 للنساء الحوامل اما السل الذي قدرت حالاته فى 2005م بنحو 36740 فان معدل خطر الاصابة السنوي كما يشير التقرير يقدر بـ180 حالة لكل 100000 من السكان ولفت التقرير الى ان معدل نجاح العلاج يكاد يقارب الهدف الذي حددته منظمة الصحة العالمية .
السكان والتحضر والهجرة الداخلية والدولية
وفقا للتقرير فان اعداد المهاجرين الداخلين بلغ 3،4 مليون نسمة حسب تعداد 1993م نصفهم تقريبا هاجروا الى الخرطوم 48 % من هذه الهجرة كانت من المناطق الحضرية فى مقابل 46،1 من المناطق الريفية ويقول التقرير ان الصراعات التى شهدتها البلاد وتحديدا فى الجنوب والشرق وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق وابيي ودارفور ادت الى نزوح اعداد كبيرة من السكان حيث بلغت هجرة السكان بسبب الصراعات المسلحة 8،2 مليون نازح و1،7 مليون لاجئ فى الدول الافريقية المجاورة الامر الذي اثر على حجم السكان وتركيبته النوعية والعمرية بجانب تأثيراته الثقافية والعرقية والدينية الى ذلك ربط التقرير نجاح خطط ادماج عودة واعادة دمج النازحين واللاجئين التى وضعتها الحكومة فى اطار شراكة مع الامم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة بكفاية تدفق الاموال من الجهات المانحة بجانب ايجاد حل لازمة دارفور بشكل نهائي.
فيما يتعلق بالهجرة الخارجية كشف التقرير عن ارتفاع مستوى حجم الهجرة من والى السودان خصوصا خلال الاعوام من 2002م -2007م حيث زادت عمليات المغادرة من 185،985 لتبلغ 417،359 بنسبة 124% بينما ارتفع عدد القادمين من 228،265 ليصل 388،930 بنسبة وصلت الى 70% وفى عام 2008 بلغ عدد السودانيين العاملين فى الخارج نحو 800000 منتشرين فى 108 دولة الغالبية العظمى بالمملكة العربية السعودية تليها ليبيا والامارات العربية والعراق واليمن اما العدد الكلي للاجانب فى عام 2007م فقدر ب1،3 مليون اي 27 % من نسبة السكان فيما بلغ عدد اللاجئين بالسودان 723974 مقابل نصف مليون لاجئ سوداني بدول الجوار الافريقي اسفر عنه النزاع المسلح بالجنوب .
الكوارث والطوارئ
يقول التقرير ان ازمة دارفور نتج عنها تشريد مايقرب من 2 مليون شخص مع 200 أالف لاجئ لجأوا الى تشاد واضاف التقرير رغم الجهود الانسانية الكبيرة الاان نحو 30% -40% من السكان المتضررين لايحصلون على المساعدات وان تلبية الاحتياجات لاتزال منخفضة نتيجة النزاعات على مستوى المحليات والتشرد وفشل المحاصيل الزراعية
وفي ختام توصياته دعا التقرير واضعي السياسات بضرورة ادماج خصائص وديناميكيات السكان فى السياسات والخطط والبرامج بالتركيز على السياسات وتقوية البنية التحتية وبناء القدرات من اجل تعزيز فعالية وكفاءة التخطيط والموازنات للتنمية اضافة لتقديم الخدمات والتنسيق الفعال على المستويين القومي والولائي هذا بجانب اصلاح هيكل القطاع الصحي بغية مساعدة السودان على تحقيق الالتزامات العالمية ووقف وفيات الامهات والاطفال انتشار عبء الامراض من خلال تطوير الادارة المتكاملة لنظام المعلومات الصحية والامدادات اللوجستية وإدارة وتنمية الموارد البشرية .
سارة تاج السر :الصحافة