المخاشنة التي وقعت داخل خيمة بدار المؤتمر الوطني بالمناقل أمس، وتحول لاشتباكات استخدمت فيها الأيدي والكراسي، أسفرت في ظاهرها عن انسحاب رمزين من إحدى الكتلتين المتصارعتين في محلية المناقل بولاية الجزيرة، هما أزهري خلف اللّه وزير الزراعة بالولاية، وعبد اللّه محمد علي المستشار الأمني للوالي، اللذين خرجا (راكضين) – بحسب رواية أحد أتباع الكتلة المضادة – من خيمة مؤتمر لحزب المؤتمر الوطني كان يفترض أن ينتخب رئيس الحزب في المناقل وأعضاء مجلس الشورى، والأعضاء الذين سيتم تصعيدهم لمؤتمر المحلية، إلاّ أنّ المؤتمر تم تأجيله، ما يُوحي للوهلة الأولى بهزيمة رجل المناقل القوي عبد الباقي علي رئيس المجلس التشريعي، الذي أقدم الشهر الماضي على المطالبة بإبعاد والي الجزيرة بروفيسور الزبير بشير طه، على خلفية ما اعتبره الأول محاولةً من الأخير عبر بعض مستشاريه لتفكيك نفوذه في المحلية، وإضعاف فاعليته السياسية.
أول من ألقى كلمته في المؤتمر كان سعد حسن عشم اللّه رئيس المؤتمر الوطني في المناقل، الذي تم ترشيحه لرئاسة قطاع المناقل عن كتلة الفاعلين المحليين التي يمثل عبد الباقي علي أبرز وجوهها، ويقول شهود عيان إن أصواتاً من بين المشاركين في المؤتمر ارتفعت هتافاتها وعلا تهليلها تأييداً لسعد، وأعقب ذلك حديث لجلال مِن الله شقيق جبريل مِن الله مرشح الكتلة المحسوبة على الولاية، ولم يلبث حديثه أن تطور إلى ملاسنة مع عبد الباقي علي، وحدثت فوضى كما يقول حسن أبو شوك، وهتف البعض ضد المستشار وضد الوالي.
رواية جلال مِن اللّه المحسوب على كتلة الولاية تختلف عن سابقتها فيما يتعلق بما حدثَ، فبعد أن بدأ سعد عشم الله كلمته، أتى عبد الباقي علي وهو يحمل كرسيه ليجلس جوار جلال، الذي كان نصر الدين بابكر المعتمد السابق يجلس عن يمينه في الصف الأول، ويقول جلال إن عبد الباقي توعده هو وأحمد الطيب بالضرب، وعندما وجد منه استجابة هادئة قام بتوجيه لكمة قوية إلى فمه، رد على إثرها جلال بمهاجمة عبد الباقي، وتطور الأمر إلى معركة شاملة بالكراسي و(العكاكيز)، ولم يتمكّن أزهرى خلف الله وعبد الله محمد من الخروج إلاّ تحت حماية رجال الأمن، أما جلال نفسه فقد أخرجته مجموعة من أهله وصلوا لاحقاً لنجدته.
الثابت في الروايتين، أنّ اللواء أحمد المصباح معتمد المناقل الذي شَاهَدَ كل ذلك، ألغى المؤتمر وستة مؤتمرات أخرى كانت مُقرّرة، وفي واقع الأمر فإن مؤتمرات المناطق العشر للمؤتمر الوطني في المحلية لم يعقد منها سوى مؤتمرات، فازت في الأول مجموعة محسوبة على الولاية، وفي الثاني مجموعة محسوبة على الفاعلين المحليين، أمّا المؤتمر الثالث الذي عقد أمس الأول بمنطقة الماطوري فقد لقي ذات مصير مؤتمر الأمس، إذ شهد أحداث فوضى أدت إلى فشله.
الصراع في المناقل متعدد الوجوه والمستويات، فقد تصدّعت التحالفات القديمة بين مراكز القوى المحلية فجأةً في العام الماضي، وبرز الملف الأسود الذي قال عبد الرحمن مختار المدير التنفيذي الأسبق للمحلية، إنّه أعده وسلّمه للنيابة، ويحتوي على تفاصيل الفساد في المناقل، وقال نصر الدين بابكر المعتمد الأسبق حينها ان اتهامات مختار غير صحيحة، وان حديثه لو صدق فإنّه سيكون مُتورطاً فيما يتحدث عنه لكونه مديراً تنفيذياً وقع على كل أعمال المحلية، كمَا أصْدر الفريق عبد الرحمن سر الختم والي الجزيرة السابق قراراً أعفى بموجبه أزهري خلف الله وزير الزراعة حينها، كما تَمّ عزله من منصبه كأمين للاتصال التنظيمي بالحزب، في عملية وقفت وراءها أطراف فاعلة داخل الحزب بالمناقل، واتخذت قضية المناقل بُعداً آخر بعد تكوين تجمع قبلي معني بشؤون المناقل نسب تكوينه إلى مسؤول في العاصمة، ويرى البعض أنّ هيئة تطوير غرب المناقل هي امتدادٌ لذلك الكيان بعد توسيع قاعدة عضويته، لكن التطور الأبرز في العام الماضي كان تصريحات الفاتح عز الدين معتمد أم درمان السابق التي مضى فيها إلى أن الفساد معشعش في المناقل.
تصريحات عز الدين، مَثّلت التدخل العلني الأول لشخص من المركز، لكن التدخل الثاني كان مؤسسياً إذا جاز التعبير، وبدأ مع تعيين الزبير بشير طه والياً للجزيرة، وإعلانه أنه سيحارب الفساد، وتوقّع كثيرون أن تقدم الولاية في المرحلة الجديدة على تنفيذ تغييرات كُبرى ربما تطال قيادات فاعلة، وحدث التغيير بالفعل، إذ أعفى الزبير قبل أشهر معتمد المناقل والمدير التنفيذي للمحلية ومنسق الشرطة الشعبية، فضلاً عن وزيري الزراعة والتربية والتعليم في الولاية، وأعادت ذات القرارات أزهري خلف الله إلى وزارة الزراعة التي أبعد منها سابقاً، هو ما دفع كتلة الفاعليين المحليين في المناقل ممثلة في عبد الباقي علي إلى الاعتراض على تعيين أزهري، خوفاً من قيامه بتصفية الحسابات القديمة مع الكتلة، وبلغوا في اعتراضهم حد المطالبة بإبعاد الزبير بشير طه عن سَد الولاية، كما أرسلوا وفدين للمركز.
عبد الباقي علي، أعاد في حديث مع «الرأي العام» أمس انتقاداته لأنصار الوالي، وقال أنهم لا يلتزمون بالمؤسية، ولا يريدون أن تأتي المؤتمرات بأي شخصٍ مخالفٍ لهم، واعتبر عبد الباقي أنه ومجموعته يمثلون السند الشعبي لقانون مشروع الجزيرة الحالي، والإصلاحات التي بدأت في المشروع، وأضاف أن المعركة الحقيقية هي حول المشروع، وقال ان منبراً معارضاً لقانون المشروع تَمّ تكوينه من الرافضين بقيادة أزهري خلف الله، لكن جلال مِن الله يقول إنّ قانون مشروع الجزيرة شأن خاص بوزارة الزراعة الاتحادية وليست له علاقة بما يحدث في المناقل، وكنت قد اتصلت بعبد اللّه محمد علي أثناء عودته من المناقل أمس، فقال ان لديهم ترتيبات وإجراءات سيطلعني عليها عقب اكتمالها.
الطرف الثالث هو المعتمد الحالي اللواء أحمد المصباح، ورغم أنه أتى بواسطة الوالي إلاّ أنّ كثيرين يرون أنّه يحافظ على نوع من التوازن في مواقفه، ويقول المعتمد انهم فرغوا من مؤتمرات الأساس وتبقت مؤتمرات المناطق التي اكتمل منها اثنان، لكنه عزا تأجيل المؤتمرات الثمانية الأخرى إلى التنافس الحاد بين المواطنين على المواقع القيادية في المؤتمر الوطني بالمناقل، باعتباره القوى الوحيدة الفاعلة، التي يستطيعون من خلالها الحصول على خدمات المياه والكهرباء والصحة التي يفتقدونها الآن على حد تعبيره، وقال إنّ المؤتمرات ستُعقد بعد الوصول لنوع من الوفاق، وأضاف: كل القيادات ستجد موقعها.
أحداث المناقل يوم أمس، وإنْ كانت الأولى التي تَنشب فيها معركة بالكراسي و(العكاكيز) في حضور عددٍ كبيرٍ من قيادات المؤتمر الوطني بالمحلية والولاية، إلاّ أنّ الصراع الذي يقف وراءها صراع قديم، برز بوجوه متعددة في السابق، وربما بوجوه أخرى في الفترة المقبلة، صراع بين مراكز القوى داخل الولاية والمحلية، صراع حول المصالح والنفوذ.
مجاهد بشير :الراي العام