لا تعجبني المقولة الشائعة (لا تسبق الأحداث)، لأن أي شخص أو جهة اعتبارية، تريد أن تمضي قدماً في سبيل التطور وترقية الذات، عليها أن تسبق الأحداث، وإلا قعدت وأقعدت.
والصحفي خاصة، ينبغي أن لا يسابق الأحداث فقط، بل وأن يسبقها بتحليل إرهاصاتها وتوقع نتائجها، فإن أخفق فله أجر، وإن أصاب فله أجران.
أمس، وعلى متن صفحتنا الأولى، كعادتها، جاءتنا الزميلة (سلمى معروف) من مفوضية العون الإنساني بالخبر (اليقين)، إذ أماطت المفوضية اللثام وأدنت النقاب وأسقطت النصيف، عن منظمات وطنية ترفد أخرى أجنبية من أجل التكسب مادياً، بتقارير ضد السودان في قضايا حقوق الإنسان والتحرش الجنسي. وكشف البرلمان عن أن ثلاث ناشطات من منسوبات إحدى المنظمات قدمن تقريراً عن جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي في السودان.
على كلٍ، بدت لي المفوضية والبرلمان، وكأنهما يغردان خارج سرب (العولمة)، فرّق قلبي لهما حتى كادت قلبي يتمزق، لذلك قررت أن أسبق الأحداث قبل أن يُماط عنها اللثام (برلمانياً ومفوضياً)، بإخضاعها لمبادئ التحليل (البسيط)، غير المعقد، وعلى الطريقة الشعبية الشائعة (من دقنو وفتّلّو)، وهي طريقة تعتمد أسلوباً جدلياً بسيطاً يتم بموجبه تفنيد الحجج باستغلال ثغراتها والولوج إلى ثقوبها، وإدانتها عبر عوار منطقها وهشاشته.
بالطبع، لن ينفي هذا المنطق كلياً، ومطلقاً، أن هنالك منظمات مجتمع مدني تستغل لافتاتها من أجل التكسب المادي فتقع في المحظور. لكن تقرير المفوضية المشار إليه، بإحجامه عن الكشف عن أسماء تلك المنظمات و(الناشطات الثلاث) افتقر من ناحية تقنية لأدنى أسس (التقارير) التي تكسبها مصداقية، وما زاد طين الشكوك بِلة، أنه أي التقرير حمل تهديداً بالكشف عن أسماء الشخصيات والجهات التي اتهمها بأنها تعمل ضد الوطن مع منظمات أجنبية، وبالتالي، ولأن التلويح بـ(التهديد) ليس من مهام التقارير ولا وظائفها، فإن الأمر بدا وكأنه محاولة للضغط على تلك الجهات إيذاناً بمصادرة أنشطتها أكثر مما هو (تقرير) يُراد به تقويم أدائها.
هذا من ناحية، ومن أخرى، وفيما يتعلق بتقرير التحرش الجنسي والاغتصاب، فما الذي يجعل نشره مُضراً بالوطن، وضد مبادئ الوطنية وقيم المواطنة.
ثم، هل إذا ما كفت تلك الجهات والناشطات، بعد هذا التهديد، عن رفد (الجهات الأجنبية) المُشار إليها بهذه التقارير (الخطيرة)، هل ستكف المفوضية والبرلمان عن ملاحقتها والكشف عن أسمائها، رغم أنها بحسبهما تعمل ضد الوطن..!؟
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي