التهمة التي لن أنكرها يوماً هي ما يسوقه البعض عن تحاملي على الرجال، وهي بالمقابل حب لا أدعيه، فالعزيز آدم سيظل دوماً أبي وأخي وحبيبي وزوجي وابني الذي أعول عليه كثيراً، بيد أن مناوشاتي له تخرج من رغبتي الأكيدة في أن أرتقي به لمحاذاة سقف أشواقي وتطلعاتي نحوه ليكون مثلما أود وأتمنى.
وأعترف أن إمعاني في مراقبته وانتقاده قد هيأ لي فرصةً ملائمة للتعرف عليه عن قرب، فوجدته في معظم الأحايين على غير مايبدو من صلف وغرور وجحود، يقدم على كثير من التصرفات التي تثير حفيظتنا كنساء دون قصد وعلى حسب ما فطر عليه من لامبالاة وبرود!!
نعم، مسكين هذا الآدم فهو غالباً لايعي الأبعاد الحقيقية لسلوكه، ولا تتعدى اعتباراته للوقائع أبعد من أرنبة أنفه، لهذا يقع دائماً في فخنا النسائي العميق والواسع كوننا نلقي عليه بظلال ميزاتنا الفطرية التي تعني بأدق التفاصيل وتنظر للأشياء بمنظار عاطفي أولاً!!
لذا، وجدتني اليوم أفكر جدياً في تقديم مرافعة صادقة عن هذا الكائن الذي يقاسمنا كوكب الأرض مستحوذاً على جل اهتمامنا، وهو الذي يحرك حياواتنا من الجهات الأربع، فنظل ندور في فلكه بلا فكااااك وهو ما حق لنا أن نعترف به، كون الرجل يمثل الدافع الرئيس لغالبية المسالك التي تتخصها النساء وفي كل اتجاه.
إن آدم المتهم بالإمعان في تعذيبنا وهواننا – يا عزيزتي – كان في الأصل ذلك الطفل العنيد المشاغب الذي حرضتيه يوماً كأم على ألا يبكي، لأن الدمع يتعارض مع الرجولة، وأن التعبير عن المشاعر الجياشة الحميمة ضعف، وأن عليه أن يقتلع حقه من الجميع عنوة دون أن يكترث لأمر أحد!!
وحين كبر، وصار رجلاً يتغاضى عن أشواقك ولا تؤثر فيه دموعك ويفكر في نفسه أولاً بدأتي تطلقين عليه النار وتهدرين دمه بتهمة الجحود واللامبالاة!!
فعلينا أن نعيد النظر في تربية أبنائنا أولاً حتى لا نكون أحد أسباب التعاسة التي ستعيشها واحدة من بنات جنسنا يوماً، وعلينا أن ندرك بهدوء تام وقناعة مطلقة أن أسلوب التفكير والعاطفة وردود الأفعال تختلف تماماً لدى آدم عما هي عليه لدينا، وهذا أمر غريزي غير مكتسب، فلا تنتظري منه أن يفكر بنفس طريقتك أو يحب ويكره بنفس طريقتك أو يزن الأمور بميزانك!
هو كائن مستقل، يجب أن تجتهدي في التعايش معه دون أن تفكري في تغييره أو الحجر عليه!! حاولي أن تستوعبي اختلافه، أن تتقبلي شخصيته، أن تقدمي له ما بوسعك دون أن تنتظري مقابلاً معيناً افترضه عقلك، فالرجال عموماً يعانون من خلل في القدرة على التعبير المباشر، ولكن امتنانهم وحبهم يتجلى في تفاصيل صغيرة متفرقة إبحثي عنها، ولا تحتقريها، كونها لم توافق متطلباتك، فهذا أقصى ما لديهم وكل ما يفرض عليهم لا يأتي إلا بنتائج عكسية ولو على المدى البعيد.
هذا الآدم، وحدك القادرة على النجاح في التوافق معه، وبيدك زمام الأمور، وأعلمي أن التجاهل والسخرية التي يبادر بهما يوماً يعنيان في الغالب أن بداخله ألم عظيم يجتهد في الهروب منه!!
احترمي إذن صمته، وصخبه، ورغبته في الانغلاق أو الانفتاح، وتعاملي بحنكة ودراية مع ساعات انفعاله غير المبرر، ودلاله الزائد، وتعلقه بأشخاص وأشياء غيرك، فهو لا يتعمد كل ذلك، ولكن واقعه البشري يحتم علينا دائماً كنساء أن نحتويه، فقد كنا منذ بدء الخليقة إناءً بشرياً للاحتواء، وكان وسيظل، المحتوى، (ويمين بالله، مافي مرة بيغلبها راجل)، فقط بعض الصبر، والكيد، والحب، والحنو، والاهتمام، وكلها والحمد لله من مواهبنا الفطرية التي قد يكتسبها آدم يوماً !!
تلويح:
يقول نزار قباني:
لم تستطيعي بعد أن تتفهمي، أن الرجال جميعهم أطفال!!
(وشهد شاهد شاعر شهير من أهلهم)!!
إندياح – صحيفة اليوم التالي