مبارك المهدي: القوى السياسية تستعد لإنقاذ وحدة الوطن وملتقى جامع بجوبا خلال الشهر الجاري

بات مصير وحدة السودان مرهونا باعتبارات عديدة لكن الاعتبار الاهم هو توفير ارضية جاذبة لها، وهو الامر الذى عجزت عنه كل الاطراف خلال السنوات الاربع المنصرمة منذ التوقيع على اتفاق السلام بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية فى العام 2005، خاصة ان الفترة المتبقية على اجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب محدودة للغاية، فهى تصل الى حوالى 500 يوم، اى اقل من عامين حسب تقدير مبارك الفاضل المهدى رئيس حزب الامة – الاصلاح والتجديد فى حديثه الى «الصحافة» على هامش زيارته للقاهرة اخيرا،والذى أبدى فيه بعضا من هواجسه تجاه الوحدة، معتبرا ان قرار محكمة التحكيم الدولية في لاهاى حول ابيى اول خنجر موجه الى صدرها ولانقاذ هذه الوحدة تستعد القوى السياسية السودانية فى اطارما يسمى بالمعارضة الدستورية لعقد ملتقى جوبا خلال الشهر الجارى بعد ان تم تشكيل لجنة تحضيرية له، وجهت الدعوة للرموز والنخب السياسية المختلفة بما فيها حزب المؤتمر الوطنى والذى لم يرد عليها ايجابيا حتى الآن للمشاركة فى الملتقى الذى سيشكل عبر المحاور التى سيناقشها مجالا حيويا لمناقشة كل ملفات ازمات السودان وصولا الى قرارات جماعية بشأنها، تمهد لانقاذ الوطن وتفتح الباب لمسار سياسي مغاير يقوم على التعددية وعدم احتكار السلطة وحماية الوحدة الترابية للبلاد
فإلى تفاصيل الحوار.
– *ما هى قراءتك لآخر تطور فى السودان فى ضوء قرار محكمة التحكيم الدولية الاخير بشأن منطقة أبيى التى كانت متنازعا عليها بين شريكى الحكم، والى اى مدى تعتقد ان هذا القرار سيصب ايجابيا فى صالح وحدة البلاد؟
* فى تقديرى ان هذا القرار بالرغم من انه اخمد فتنة فى هذه المنطقة من ارض الوطن، الا انه يعد اول خنجر يوجه لوحدة السودان، فلو كان حزب المؤتمر الوطنى يفكر فى مصلحة الوطن ومصلحة وحدته لما اقدم على هذا السلوك غير المألوف، فلأول مرة ربما فى التاريخ يتوجه طرفا حكومة واحدة الى محكمة دولية لكى تتداول فى قضية محلية وذلك يعنى بالضرورة انه ليس ثمة مجال للتفاهم حتى فى اطار الحكومة الواحدة، ناهيك عن البقاء فى بلد واحد ونحن فى حزب الامة القومي ننظر الى ان قبيلتى الدينكا والمسيرية ينتميان الى السودان ومن ثم لم يكن من الضرورى اللجوء الى الخارج لحسم مسألة خلافية، خاصة ان ما طالبت به قبيلة المسيرية لم يكن مستعصيا على الحل وهو اقل بكثير مما قدمته لهم المحكمة الدولية فى قرارها الاخير، وفى المقابل ما طالبت به حكومة الجنوب والحركة الشعبية كان بالإمكان استيعابه والتجاوب معه ومنطقيا فى الوقت نفسه فهو كان يتركز فى تحقيق الشراكة فى حقول النفط فى المنطقة باعتباره ثروة حدودية مشتركة بين الجنوب والشمال فضلا عن منطقة حول بحر العرب لاتتعدى مساحتها من 2500 الى 3000 كيلو متر مربع وهى محافظة قديمة اسسها الرئيس السابق جعفر محمد نميرى، ولكن تم رفض هذين المطلبين بينما اقرت لجنة الخبراء التى تم تشكيلها فى اعقاب التوقيع على اتفاق السلام بين الخرطوم والحركة الشعبية منطقة مساحتها 16 الف كيلومتر، وجاء قرار محكمة التحكيم الدولية بلاهاى اخيرا مقرا تقرير اللجنة الا انه خفض هذ ه المساحة الى 6 الاف كيلو متر لكنها ابقت على نفس الابعاد التى حددها الخبراء فى حين قسمت حقول النفط على نحو متوزان بين الشمال والجنوب من خلال تحديد حقلين لكل جانب.
وفى ظنى ان المعضلة لم تحل بعد لأن حزب المؤتمر الوطنى قاد جزءا من قبيلة المسيرية الى النزاع حتى يعطى الامر صبغة قبلية بدلا من ان يفصح عن حقيقة الامر الذى يتمثل فى انه نزاع بشأن حقول النفط، وهو ما افقد القبيلة صفة حسن النوايا التى كان يجب ان تتسم بها فى ادارة هذه الازمة خاصة ان مصلحة هذه القبيلة تكمن فى الرعى فى الجنوب لمدة تصل الى نصف عام بالذات فى فصل الشتاء، وليس فى البقاء فى المنطقة الحدودية ومن ثم فإنه اذا كان مقياس الخسارة فقدان الارض فإنه يمكن القول ان المسيرية خسروا اكثر مما كان يطالب به الدينكا من الارض.
-*هل افهم من ذلك انك تتخوف على مستقبل وحدة الوطن فى الاستفتاء المقرر اجراؤه فى العام 2011 لتقرير مصير الجنوب ؟
– اجل، فكل المؤشرات تقود نحو الانفصال وليس هناك مجال للوحدة مطلقا خاصة اذا استمر النظام الحاكم بتوجهاته الراهنة
-* ذلك يعنى ان النظام الحاكم لم ينجح فى تحقيق خطوات جاذبه باتجاه الوحدة ؟
– هذا صحيح، فهو يعمل على دفع الامور باتجاه الانفصال وألفت هنا الى ان ثمة قانون فى الخرطوم مخالف للدستور اسمه النظام العام، وهو يلاحق الجنوبيين والجنوبيات ويعتقلهم بالآلاف لأنهم يصنعون الخمور البلدية رغم انها جزء من تراثهم، وقد تمت محاكمة اكثر من 13 الف شخصية وزج بهم الى السجون وذلك ليس له الا معنى واحد يتمثل فى ان السلطة تكره الجنوبيين على مغادرة الشمال واجبارهم على التوجه الى موطنهم فى الجنوب دون ان تكون لديها القدرة على احترام تقاليدهم وعاداتهم وهو من ابسط الحقوق بالنسبة لهم باعتبارهم جزءا من الوطن
– * لكن فى المقابل هناك دوائر فى الجنوب تدفع ايضا باتجاه الانفصال بل وتدعو اليه بشكل علنى واضح ؟
بالطبع مثل هذه التصرفات والسلوكيات تشجع كل دعاة الانفصال لاسيما ان التصويت فى استفتاء تقرير المصيرفى العام 2011 سيستند الى مبررات عاطفية بالدرجة الاولى يعتمد على رد الفعل وليس على اسباب عقلانية وواقعية، فإذا كان ثمة ما يدفع نحو العقل من قبيل توافر المزايا الاقتصادية وبناء اجراءات ثقة متبادلة وتحقيق اريحية فى التعامل بين الطرفين فإن الانفصاليين سيهزمون بالضرورة بيد انه اذا كان التعامل يدفع الاخر نحو الانفصال فإن ذلك سيشجع بقوة الدوائر التى تتحرك فى هذا الاتجاه.
– *هل تعتقد ان الامور باتت من الصعوبة بمكان امام استعادة قوة فعل الوحدة ؟
* لا، بالطبع لم يصل الامر الى هذا الحد بعد بل يمكن فى الفترة الزمنية المتبقية على اجراء استفتاء تقرير المصير التأسيس لوحدة جاذبة غير ان ذلك يتطلب تشكيل حكومة جديدة تطلق حزمة من الاجراءات والخطوات نحو هذه الوحدة، وذلك يستوجب احداث تغيير ما.
– *بأي اتجاه يكون هذاالتغيير؟ هل فى طبيعة النظام الحاكم ام فى رأسه ؟
هذا التغيير يجب ان يكون شاملا من الوزير الى رئيس الجمهورية عبر الوسائل السلمية وآلية الاقتراع المباشر، بحيث يفرز حكومة مدنية ديمقراطية فإن ذلك يمكن ان يفتح الفضاء امام امكانية التوجه نحو وحدة جاذبة.
-* الى اى مدى يمكن للقوى السياسية المتعددة فى السودان ان تفرض معادلتها فى الانتخابات القادمة بما يقود الى التغيير الذى تتحدث عنه ؟
شخصيا اتشكك فى امكانية اجراء الانتخابات من الاساس، فحتى الآن ليست هناك أرضية لاجرائها.
– *هناك حديث عن اجرائها فى ابريل من العام المقبل ؟
هذا جزء من الدعاية المضللة، ولكن الواقع يشير الى انه لا توجد أية ارضية لاجراء مثل هذ ه الانتخابات، فطبقا لاتفاقية السلام الموقعة فى العام 2005 فإنه من المقرر ان يتم اجراء هذه الانتخابات فى نهاية فترة الاربع سنوات من بدء تطبيقها تفضى الى تشكيل حكومة تقود البلاد الى وحدة جاذبة بعد ان يكون قد تم تطبيق كل بنود هذه الاتفاقية، غير انه للاسف فإن المؤتمر الوطنى لم ينفذ البنود الجوهرية فيها وفى المقدمة منها عدم اجراء الانتخابات فى موعدها الذى كان محددا فى التاسع من شهر يوليو الماضى وهو موعد انتهاء المرحلة الانتقالية الاولى وفقا لاتفاقية السلام واظن ان المؤشرات المتاحة حتى الان تقول ان الانتخابات لن تجرى حتى فى الموعد الذى حددته الحكومة فى شهر ابريل من العام المقبل، لاسيما فى ظل استمرار ازمة دارفور المشتعلة واستمرار تردى الوضعية الاقتصادية وخطورة الامر تتمثل فى انه مع انتهاء المرحلة الانتقالية الاولى تكون الحكومة الحالية قد فقدت شرعيتها، بل ان النظام بكامله فقد هذه الشرعية
بالاضافة الى ذلك فإن المرء لا يرصد اية جدية لاجراء الانتخابات المنشودة فى ظل وجود سلسلة من القوانين التى تنتهك البنود الاساسية من دستور البلاد، ومنها قانون الامن الوطنى واستمرار الرقابة على الصحافة وحظر رأى الاحزاب وهو ما يشكل معوقا اساسيا امام الوصول الى اجراء انتخابات حرة نزيهة، وفى تقديرى لن تكون ثمة ترتيبات تؤهل البلاد الى اجراء مثل هذه الانتخابات بل ان الوضع يزداد سوءا من حيث التضييق على الحريات العامة ولعل نموذج الصحفية لبنى يجسد هذه الحقيقة.
– * هل من سبيل للخروج من هذا المأزق ؟هل تفكر القوى السياسية فى خطوات معينة لتجاوز هذه الوضعية ؟
* بات ضروريا ان يلتقي اهل السودان جميعا للتوصل الى بلورة جملة من الحلول المشتركة لكل الازمات التى تهدد وجود الدولة السودانية بالاساس وهو ما يتطلب دعما من الاشقاء العرب خاصة فى مصر من خلال سلسلة من الآليات التى تقود الى تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تفضى الى انتخابات حرة نزيهة، ومن هنا دعونا الى عقد ملتقى فى مدينة جوبا عاصمة الجنوب خلال شهر اغسطس الحالى وقد تم تشكيل لجنة تحضيرية برئاستى للاعداد لهذا المؤتمر الذى سيركز على 5 محاور هى : السلام والامن والوحدة ووقف الحرب وتحقيق السلام فى دارفور والتحول الديمقراطى والاوضاع الاقتصادية والمصالحة الوطنية والعدالة والعلاقات الخارجية، وقد تم توجيه الدعوة الى حزب المؤتمر الوطنى للمشاركة فى هذا الملتقى لكنه حتى الآن ما زال ممتنعا عن تلبيتها ورحبنا بأية اوراق يتقدم بها فى اطار المحاور الخمسة.
-*ما هى القوى التى ستشارك فى الملتقى؟ هل ستشارك فيه مثلا حركات التمرد فى اقليم دارفور؟
بشكل عام ثمة توافق على مشاركة القوى والاحزاب المنضوية تحت المعارضة الدستورية، ولكن هناك مشاورات تجرى حول كيفية التعامل مع القوى التى لاتعترف بالدستور الحالى والحاملة للسلاح اما بدعوتها للمشاركة المباشرة في الملتقى او التحاورمعها بعد انتهائه، وما زالت المشاورات مستمرة فى هذا الشأن.
-* هل سيناقش الملتقى القادم قضية الانتخابات بشكل خاص ؟
بالتأكيد سيتطرق الى هذه المسألة وقضية التعدادالسكانى ضمن محور التحول الديمقراطى لكن لن يصل الامر الى مناقشة امكانية تشكيل تحالفات انتخابية بين قوى بعينها فى مواجهة قوى اخرى
+ فى حال عدم مشاركة حزب المؤتمر الوطنى فى الملتقى هل يمكن ان يؤثر ذلك سلبا على شرعية ما سيصدره من قرارات وتوصيات ؟ لا بالطبع، لأن ما سيصدرمن قرارات سيكون بالاجماع من كافة القوى السياسية المشاركة فيه واذا ما غاب المؤتمر الوطنى عن الملتقى فإنه سيضر نفسه وسيبدو معزولا عن كافة القوى الاخرى، وسيؤكد انه يسعى الى الانفراد بالقرار السياسى وبالتالى فإنه يتعين ان يتحمل مسؤولية ذلك.
-بوضوح، مالذى تتوقعه من هذاالملتقى؟ هل بوسعه ان يحدث اختراقا حقيقيا للازمات التى يواجهها السودان ؟
نحن نسعى الى ان ينجح المتلقى فى بلورة حلول وطنية سودانية لكل الازمات التى تواجهها البلاد ويعزز من الارادة الوطنية للخروج من المأزق الراهن.
كلام فضفاض
هذا الكلام يبدو لى فضفاضا انشائيا اكثر من ان ينزع الى الخطوات العملية والآليات المحددة ؟ بالعكس، لقد تم اعداد محاور خمسة لهذا الملتقى وتم اعداد اوراق بحثية حول كافة المعضلات التى يواجهها الوطن ومن ثم فإن المشاركين فيه من مختلف القوى السياسية- ونتمنى ان يكون المؤتمر الوطنى من بينها- سيعملون على تحديد الآليات والخطوات المحددة فى ضوء المناقشات والمداخلات والرؤى التى سيتم طرحها خلاله.
– * هل تعتقد ان يقبل المؤتمر الوطنى قرارات الملتقى اذا غاب عنه ؟
نظريا من المفترض ان يقبل بها بل و يسعى الى تطبيقها؛ لأن معظم القضايا المطروحة ضمن محاور الملتقى واردة فى اغلب الاتفاقيات التى وقع عليها المؤتمر مع قوى سياسية اخرى، ابتداءً من جيبوتى وانتهاءً بنيفاشا مرورا بالقاهرة وبجدة واسمرا، ولأنه لم يلتزم بهذه الاتفاقيات الامر الذى اسهم فى توسيع دائرة الاحتقان السياسى والتوترات العرقية فإنه يتعين عليه ان يتجاوب مع قرارات ملتقى جوبا لأنها تصب فى تحقيق الاهداف التى سعى اليها عبر توقيعه على هذه الاتفاقيات، ولكن ما اخشاه هو ان يتهرب المؤتمر الوطنى من التزاماته وهو ما يستوجب من جميع القوى السياسية ان تحدد كيفية مواجهة ذلك.
-* كيف تقرأ المبادرات المطروحة لحل ازمة اقليم دارفور، خاصة انك تبدو غير متفائل بجدواها ؟
* لأن هذه المبادرات تتحدث عن حلول جانبية لقضية مرتبطة بمشكلة السودان، فهى تناقش ازمة دارفور وكأنها منعزلة عن باقى مشكلات الوطن، بينما هى بالاساس مشكلة السودان كله ومن ثم فإن اية معالجة لها تتطلب التوصل الى حلول شاملة لكل الازمات التى تعانى منها البلاد، والا فإن اى اتفاق بشأنها لن يكتب له النجاح وسيتعطل تنفيذ الكثير من بنوده مثلما حدث مع اتفاق نيفاشا الخاص بالسلام فى الجنوب.

صحيفة الصحافة

Exit mobile version