قيل إن (ونستون تشرسل)، قرأ على شاهد قبر: (هنا يرقد الرجل السياسي الصادق)، فقال :(عجبت كيف يجتمع الاثنان في هذا الشخص)، وقالت الراقصة المصرية وصاحبة قناة (فلول) سما المصري، في معرض نفيها ما أشيع عن التزامها بالحجاب وتخليها عن الرقص: (الناس بتحبني لأني قليلة الأدب).!!
و يعتبر البريطانيون رئيس وزرائهم الأسبق (سير ونستون تشرسل)، الذي كتب عن حرب الإنجليز والمهدية كتابه الشهير (حرب النهر)، عندما جاء إلى السودان كضابط استعلامات ومراسل حربي لصحيفة (مورننغ سبورت) رفقة حملة (كتشنر) الاستعمارية، أحد أهم حكمائهم. حيث عاش حوالى (91) سنة.
وتشرسل، ليس إعلامياً بارعاً ولا سياسياً وعسكرياً فذاً، فحسب، بل هو كاتب وروائي لا يشق له غبار، إذ فاز بجائزة نوبل للآداب (1953م)، لذلك فإن شخصاً مثله بمواهب وخبرات قلّ أن تجتمع في شخصٍ واحد، لا يلقي العبارات كيفما اتفق، ولا يقول الأقول استهلاكاً ومضغة أسنان، وتسلية لسان، كما يفعل بنا جل السياسيين هنا.
سخرية (تشرسل) الذكية من عبارة شاهد قبر السياسي، فيها صدق مع النفس جدير بالاحترام، وكأني به عندما أطلق عباراته كان يشير إلى نفسه أيضاً، بوصفه سياسي مرموق، وبالتالي بينه والصدق ما بين المتنبئ وأحبابه: (أما الأحبة فالبيداء دونهم).
وهكذا السياسيون، في تضاد مع الصدق على الدوام، لكن رهطنا لهم ميزة أخرى، يبزون بها (تشرسل) وزمرته، وهي عدم امتلاك الشجاعة على الاعتراف بأكاذيبهم حتى بعد أن يتقاعدوا ويعتزلوا الساحة، ويلزموا قعور بيوتهم، يظلوا يرددون على مسمامعنا (أكرمنا الله وإياكم) كل ثانية أكذوبة عن إنجازاتهم العظيمة وأنه لولا عبقريتهم الفذة ووطنيتهم الخالصة وتدينهم العميق، وأيديهم النظيفة البيضاء، ما قامت للبلاد والعباد قائمة، ولما بلغوا بالعالمين مراقي المدنية والتطور والديمقراطية والحرية والنماء والرخاء والأمن والاستقرار التي ينعمون بها الآن.
لا أحد منهم يعترف إذا ذهب ببلاده إلى حواف الهاويات العظيمة، ثم غافلها ودفع بها إلى عميق سحيق، فأصيبت برضوض أو كسور مركبة لا تزال تحاول جراءها الوقوف على قدميها، وهيهات، بل ربما أصيبت بعاهات مُستديمة، أوبُترت أطرافها، أو توفيت إلى رحمة الله، ودُفنت تماماً.
لكن ما علاقة عبارة الراقصة (سما المصري).. (الناس بتحبني لأني قليلة الأدب) بمقولة (تشرسل)، ربما يتساءل البعض؟.. لذا فمن واجبي هنا إماطة اللثام وإسقاط النصيف، حتى يسفر للناس وجه العلاقة بين (عبارة الراقصة والمقولة الماكرة)، وهو الصدق في كليهما، فـ(سما المصري) تعرف أن كثيراً من المجتمعات الشرقية وإن كانت تدعي ظاهرياً أنها تعتبر الرقص نوعاً من الفن الراقي، لكنها في قرارتها تعتبره نوعاً من قلة الأدب، كما تعتبر السياسية نوعاً من الكذب.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي