ظلت العلاقة بين الخرطوم وواشنطون علاقة بين طرفين لا يحتفظ أيٌ منهما بالحرص على الآخر، وبالتالي ظلت تلك العلاقة تخلو من فواصل الإسفنج السياسي أو الدبلوماسي لمنع الاحتكاك.. هي العلاقة التي لا تنطبق عليها مقولة (قدم السبت.. تلقى الأحد).. علاقة (بايظة)، وأحسن حالاتها هي تخفيف التهديدات من جهة واشنطون ووقف رسائل الزهد في العلاقة من جهة الخرطوم.. أما الحديث عن التحسين والتقدم خطوات نحو توثيق العلاقات، فهو الذي أصبح ميئوساً منه بعد فشل عدة محاولات على امتداد سنوات الإنقاذ.
والآن، وفي الوقت الذي كانت الخرطوم قد وضعت فيه القرار داخل مظروفه ومررته للإعلام، قرار طرد الأمريكية “باميلا ديلارغي”، مسؤولة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بالسودان.. كان القائم بالأعمال الأمريكي في السودان كريستوفر قد تشبع بانطباعات جيدة خلال زيارته لشمال دارفور، دفعته للإعلان عن دعم بلاده لمبادرة الرئيس البشير للحوار الوطني رغم طرد باميلا..
فأمريكا في عهد أوباما.. إما أنها فعلاً أصبحت دولة عديمة الإحساس يسهل الهوان عليها، أو أنهم متأكدون من أن المسؤولة الأممية الأمريكية الجنسية على خطأ، وأنها فعلاً تدخلت في الشؤون الداخلية للسودان.. أو أن تصريح القائم بالأعمال الأمريكي.. خطوة أولى في مرحلة جديدة تخطط أمريكا لها مع السودان، فلم يمنع قرار الطرد تصريحات المدح..
والخارجية الأمريكية التي نددت لاحقاً بقرار الحكومة السودانية، جاء تنديدها منقوصاً وليس جازماً، وتضمن عبارات استدراك تجعل من المحتمل أن تكون الحكومة السودانية على حق.. (نبحث عن الأسباب التي تقف وراء هذا الطرد).
رغم الحقائق أو الملابسات، وربما الموضوعية في قرار الحكومة السودانية.. هل يمكن أن ندفع بسؤال مهم للخارجية السودانية: هل تمت دراسة تصريحات كريستوفر بشكل مستفيض ودقيق من جانب الحكومة السودانية، ومعرفة ما إذا كانت واشنطن التي فاجأتموها بطرد المسؤولة الأممية الأمريكية كانت في تلك الأثناء تفكر في تغيير حقيقي في موقفها من الخرطوم.. وأن تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي كريستوفر قد تكون بداية لمرحلة جديدة من العلاقات مع السودان بعد مبادرة الرئيس البشير للحوار الوطني؟
هل فكرتم في احتمالات كهذي، خاصة وأن مبادرة الحوار الوطني بنظر الأمريكان قد تكون بداية جدية في صناعة واقع مختلف بعد دخول كل لاعبي الساحة الداخلية إلى الميدان، وتغيير حقيقي في ديباجة النظام الحاكم في السودان.. وأن واشنطون تعتبر هذا التغيير يكفي مثلاً لتجاوز كل تراكمات الأزمة في علاقات البلدين مع المرحلة الجديدة..؟؟
الأمريكان لا يطلقون تصريحاتهم (طق حنك).. أو دون تخطيط، وبالتالي.. يجب أخذ تلك التصريحات بالدقة وبعين الدراسة والتحليل واستنباط مؤشراتها المحتملة..
العلاقات السودانية الأمريكية يمكن أن تشهد تحسناً حقيقياً، ولن يكون طرد باميلا عقدة كبيرة، لأنها في نهاية الأمر موظفة أممية وليست دبلوماسية أمريكية.. لكن الخوف أن لا تنتبه سياستنا الخارجية لأهمية تجريب مبادرات جديدة بعد مرحلة الحوار الوطني..
الخوف فعلاً أن لا تنتبه سياستنا الخارجية للفرصة السانحة في علاقات البلدين، والتي يمكن باغتنامها تجنيب بلادنا الكثير من الشرور والمصائب، فضلاً عن تحقيق اختراقات غير مسبوقة في التعامل مع المجتمع الدولي ونهاية لفصول العزلة!
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي