كانت (بت الحاج) في طفولتها طفلة هادئة مسالمة مليحة الطباع والملامح، كانت ضفيرتها المسدلة حتى نهايات ظهرها تتأرجح يمنة ويسرة كلما جرت وتقافزت أثناء اللعب مع أترابها من بنات الحي، وكانت وداعتها وطبعها الهادي سببا لتربعها على قلوب الجميع وخاصة أمها (بخيتة) التي تدللها بلقب (حبيبة أمها) وعمتها (عشة) التي أعلنت ومنذ تبت (بت الحاج) على تملكها لها بوضع اليد، وحجزها لتكون من حد وحيدها (ناصر) ونصيبو.
كبرت (بت الحاج) واستوت فتبارك الله أحسن الخالقين الذي جعلها أية من آيات الجمال، تعلق بها قلب (ناصر) وبادلته الود الطاهر ونما حبهما تحت نظر ورعاية ومباركة الأم والعمة.
وبمساعدة وتدبير العمة (عشة) تمكن (ناصر) من إكمال تجهيزات الزواج وبعد اكتمال الأفراح والليالي الملاح انتقلت للعيش مع عمتها في البيت ، فقد كان ناصر يعيش مع أمه وحيدا بعد وفاة والده وزواج أخواته البنات .
سارت الحياة سلسة وهانئة بين العروسة والعمة النسيبة وزادت (راحة البال) بحمل (بت الحاج) لولي العهد والحفيد (البشيل اسم جدو) .. حفّتها الأم والعمة المحبات وشفقانات برعاية مبالغ فيها فقد أعفوها من الخدمة تماما وأجبروها على ملازمة السرير وحاصروها بـ (التحانيس):
– بت الحاج عليك الله كان ما رقدتي حبيبة .
– بت الحاج الجردل ده تقيل ما تشيليه بفتح ضهرك!!
– بت الحاج .. وما تصنقري كتير الحيرقان بِقِد قلبك سآآي!!.
أكملت حبيبة أمها شهور الحمل في العناية المكثفة التي ضربتها عليها (بخيتة) و(عشه)، ومع اقتراب مواعيد الوضوع انتقلت الأم لبيت العمة حتى تكون جاهزة في أي لحظة يهل فيها المولود، وبعد إتمام التجهيزات اللازمة صارت (أمات طه) في حالة ترقب وانتظار .. فتقومان في صباح كل يوم بالتحقيقات للاطمئنان على استتباب الأمن :
كيف أصبحتي الليلة .. أها ما جاك وجع ضهر؟
وإذا ظهرت منها أي بادرة تعب، تسرع إليها الاثنتان:
بت الحاج .. أنتي شاعرة بي حاجة ؟
حتى تثور عليهن :
عليكم الله بطّلوا الشفقة دي ..ما أنا لو حسيت بي حاجة حا أقول ليكم طوالي .. كدي روقو المنقة يا حاجات.
إلى أن استيقظت (بت الحاج) ذات صباح بآلام لا تطاق في أسفل ظهرها ونوبات متباعدة من الألم الحاد في بطنها، ولكنها كتمت ألمها حتى تتبين الأمر قبل تبليغ الشفقانات، ولكن مع مواعيد الفطور تفاقم الألم فلم تتمالك نفسها عن إطلاق التأوهات ، حينها وكما لو أطلقت صفافير الإنذار قبل الغارات الجوية، اندفعت الحاجتان للاستعداد فواحدة تجهز الحقيبة والثانية تحشو الأشياء داخل أكياس كيفما اتفق وهن يتدافعن ويتصادمن في (المرقة والدخلة) .. اقترحت حاجة (بخيتة) الاتصال بـ (ناصر) في العمل وأصرت حاجة (عشة) بإن:
البكرية ما مضمونة أحسن نسرع للمستشفى وبعدين هو يحصلنا.
أحضرت حاجة (عشه) التاكسي، وحملت الاثنتان الأكياس والحقيبة وتدافعتا في لهوجة واستعجال نحو الباب، واندفعتا خارجتين وأغلقتا الباب من خلفهما ، كل ذلك حدث و(بت الحاج) تجلس على السرير وتنظر بدهشة لأمها وعمتها فيما يفعلن، وبعد خروجهن ببرهة أحسّن بأنهن قد نسين شيئا مهما، فعادت حاجة (عشة) وفتحت الباب ونظرت من خلاله لـ (بت الحاج) وقالت:
بت الحاآآج .. إنتي ماشة معانا ؟!!
أجابتها (بت الحاج) ضاحكة:
لا .. بستناكن هنا .. أمشن ألدن أنتن وتعالن راجعات !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com