أرجو أن نتناول اليوم موضوع (الهوية) الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس، من زاوية مهمة، دون حساسيات قد يرى البعض أنها تقلل من دورهم الوطني، أو انتمائهم إلى تراب السودان وأهله، والزاوية المعنية، هي زاوية الهجرة والاغتراب، وقد استندت في نظرتي للأمر من تجارب حقيقية لعدد من الأسر التي هاجر آباؤها منذ سنوات، وظلوا في مهاجرهم سنين عدداً، وتزوجوا وهم هناك، وأنجبوا أبناءهم وهم في تلك الغربة التي لا يجد الأبناء متسعاً للتواصل مع أهلهم إلا في دوائر ضيقة تكاد تكون (أداء واجب) أكثر من كونها تفاعلاً أو تواصلاً حقيقياً، مثل (الحث) على السؤال عن صحة الجد والجدة من قبل الوالدين، حيث أصبح عالم كثير من أبناء المغتربين هو (ما حولهم)، وأن الوطن بالنسبة لهم هو المكان الذي نشأوا فيه وتعاملوا فيه مع الصحبة والجيرة والأصدقاء في السكن أو المدارس أو الجامعات.
وهذا الأمر يقود إلى سؤال مهم، وهو (هل يمكن أن يطمس الوطن البديل ملامح الهوية؟).
لست من أهل الاختصاص، ولكنني أحسب أن الإجابة تعتمد على تصنيف الوطن البديل.. فهل هو وطن غربي يتعامل مع ثقافة وقيم ومفاهيم الغرب، مثل الاغتراب في الدول الأوربية أو الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا (؟).. أم هو وطن بديل لا يختلف في دينه أو لغته عن الوطن الأم (؟) وحتى هذه يتم النظر إليها من جانبين، الأول هو (كم من الزمن ظل المغترب أو أبناؤه هناك؟) والثاني هو (عدد المواطنين السودانيين في ذلك المهجر، ومدى ترابطهم وسيادة ثقافتهم).
كثير من الأسر ولأسباب منطقية مرتبطة بعمل الأب أو الأم أو الاثنين معاً لا تولي أمر الثقافة الوطنية واللغة الاهتمام المطلوب، خاصة في المهاجر البعيدة، لذلك ينشأ الأبناء ولا علاقة لهم بوطنهم إلا في الأوراق الرسمية، وقد قابلت عشرات الأسر في تلك المهاجر، لا علاقة لأبنائها وبناتها بالوطن أو اللغة أو الدين أو القيم السودانية، مما أدخل الآباء في حرج وضيق شديدين، وخوف من المستقبل، إذ لا يمكن للأب أن يفرض مفاهيمه (المتخلفة) في نظر الأبناء والبنات بالقوة ولا بالمنطق، لأن ذلك سيقود حتماً إلى خلاف وشقاق في الأسرة الواحدة التي يحمي القانون حق كل فرد داخلها في العيش كما يريد.
كم عدد السودانيين في الخارج (؟) كم عدد الذين يعيشون في دول الغرب وكم عدد الذين يعيشون في المهاجر العربية والإسلامية (؟) وما هو أثر ثقافات تلك الدول عليهم (؟).. وهل للأبناء والبنات ذات الارتباطات التي تربط الآباء بالوطن؟
لا أظن أننا نملك دراسات دقيقة ووافية وجادة عن هذا الموضوع.. نحن أيها السادة نفقد – بصراحة – عصباً من المفترض أن يشد من عضد الوطن.. لابد من أن نتنبه وأن نعمل على تلافي ضياع رصيد إنساني حقيقي للوطن.. ومعالجة سلبيات حالة الوطن البديل.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]