لما كان الإسلاميون في السودان ينسجون شبكتهم المتفردة والمنفردة في سودان الستينيات كان توفيق الحكيم يكتب روايته «طريد الفردوس»
والرواية هناك كأنها حكاية الإسلاميين في السودان
َوفي رواية الحكيم، صبي يولد ومنذ أيامه الأولى يبقى في الخلوة والأذكار حتى يموت
وفي الآخرة يتجه إلى الجنة، لكن ملائكة الجنة يقولون له إن اسمه لا يوجد عندهم
والرجل يتجه حزيناً إلى النار، لكن الملائكة هناك يقولون إن اسمه لا يوجد عندهم
والملائكة تحل المعضلة بإعادة الرجل إلى الأرض بحجة أنه لم يصارع الدنيا وأن صراع الدنيا هو ما يذهب بالإنسان إلى الجنة أو النار
الطريف أن الرجل عند عودته إلى الدنيا يظل يهذي بكلمة الفردوس… الفردوس… وبعضهم في شوارع القاهرة يظن أنه يبحث عن بار الفردوس ويقوده إلى هناك
والرجل يبقى هناك ويصبح هو فتوة البار… بعد زمان يفيق ويعود إلى الخلوة.. والخنجر الرهيب الذي كان يذبح به ضحاياه في البار يعود إلى مهمته الأولى وهي حلق الرأس صلعة زهداً وإخباتاً
والإسلاميون يعتزلون الدنيا أيام التربية وأيام الستينيات ثم… وبالأسلوب السوداني الهادئ يتمددون في المجتمع إلى درجة تجعل شعار المجتمع في الستينيات هو الشريعة الإسلامية وإلى درجة تجعل الشيوعيين والبعثيين والماسونيين يأتون بنميري لإيقاف المد الإسلامي
ومعركة الأعوام الأربعين الماضية التي يخوضها الإسلاميون كانت معركة يخوضها الإسلاميون ليس من داخل بار طريد الفردوس عند توفيق الحكيم، بل من تحت نخلة الطيب صالح في قصته نخلة على الجدول
وفي الحكاية هناك الدولة تقرر إقامة مرفأ للمعدية في إحدى قرى الشمال لكن المرفأ يقع قريباً من ضريح هناك له مريدون وبالقرب من نخلة ومن طاحونة…
وأهل المعدية وأهل الضريح وأهل النخلة كلهم يشتبكون في صراع لإبعاد الآخرين
الطيب صالح يقول: الجميع كانوا ينسون أن المكان يتسع للمعدية وللنخلة وللضريح وللسوق
وحتى نبتعد نحن هنا من معركة مماثلة نشير إلى (أن الأعرابي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول: يا رسول الله من يلي حساب الناس يوم القيامة
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الله سبحانه
والأعرابي يقول: هو بنفسه؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: هو بنفسه)
والتجوز يقبل من الأدب افتراض أن الملائكة يتولون الحساب
ومسرحية مدير ليوم واحد التي تعرض في الخرطوم في الثمانينيات كان فيها مدير يموت… ويوقف للحساب.. والمدير ينتهز فرصة وينزع صفحة من كتابه الأسود ويبدأ في الغلاط
لكن الإسلاميين الذين يدخلون الدنيا لإنقاذ العالم الإسلامي لعلهم لا يضطرون لنزع صفحة من كتابهم
ومثير أن الصدام الطويل مع الخطر هو ما يميز الإسلاميين وما بين عام ألف وتسعمائة وسبعين أفغانستان وقتال الإسلاميين للسوفيت وحتى ميدان رابعة العدوية لا يلاطم العدو أحد غير الإسلاميين
المعرفة هذه هي ما يجعل الإسلاميين الآن يدعون للحوار
الحوار الذي هو صف جديد في معركة جديدة.
آخر الليل – اسحق احمد فضل الله
صحيفة الانتباهة
[EMAIL]akhrallail@gmail.com[/EMAIL]