في زيارتي الأخيرة إلى مدينتي مناقل الخير والوفاء، وفي جولة اجتماعية خاطفة، لفت نظري أمر بدا لي غريباً!.
في زيارة لأسرة صديقة، وجدت جميع أفراد الأسرة وهم يتناولون وجبة (الغدعشاء) معاً.
(الغدعشاء) هو جمع لوجبتيْ الغداء والعشاء، في منطقة زمنية محايدة، بعد صلاة المغرب.
ليس ما لفت نظري هذه الوجبة المستحدثة، لأسباب عملية واقتصادية؛ فهي أصبحت أمراً عادياً وطبيعياً في أغلب المنازل السودانية، في كدحها اليومي من الجبل للسهل، ومن السهل للصعب.
ما أدهشني أنني وجدت تلك الأسرة، تستمع باهتمام لإذاعة “راديو دبنقا” من التلفزيون!.
ودبنقا إذاعة عابرة للمحيطات والبحار والحدود، تتحدث من هولندا عن كل صغيرة وكبيرة في معسكرات النزوح في دارفور.
للأسف، إذاعة راديو دبنقا، بدلاً عن أن تصبح إذاعة إرشادية وتثقيفية للنازحين بدارفور، ولسكان القرى والمدن في الإقليم؛ أصبحت دعائية وتحريضية.
مصدر دهشتي، أن الأسرة التي زرتها أسرة سودانية بسيطة، غير مُسيَّسة، ولا صلة لها بدارفور، سوى الرباط الوطني العام.
سألت رب الأسرة عن اختيارهم لـ”إذاعة دبنقا”، من بين كل القنوات والإذاعات الفضائية الموجودة.
ضحك الرجل ثم قال: (الناس ديل بنقدوا الحكومة، وكمان في تلفزيون أم درمان، بنشاهد حسين خوجلي، بقول كلام ما بقولو زول غيرو)!.
أمس بقاعة بوزارة الإعلام، كان الحديث عن الحرية والمسؤولية.
قيادات الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، في ضيافة وزيريْ الإعلام الدكتور أحمد بلال، والأستاذ ياسر يوسف، مع مشاركة الدكتور الفاتح عز الدين، رئيس البرلمان في حضور القيادات الأمنية المسؤولة عن الإعلام، يتقدمهم سعادة اللواء العبيد صالح والأستاذ محمد حامد تبيدي.
أغلب ما قيل في اللقاء، حديث جيد غير قابل للاختلاف عليه، لا أحد يطالب بحرية مطلقة، ولا أحد يحتمل مسؤولية تتحول إلى قيد يمنع الإعلام من تأدية مهامه.
إذا كان الإعلام مطالباً بترقية مهنيته، ورفع درجة حساسيته تجاه المصالح والمخاطر العامة بالدولة، كذلك الجهات الحكومية مطالبة بتطوير أدواتها في التعامل مع الإعلام، وإلا ستلجأ إلى الطرق القديمة الصدئة.
في أزمنة ثورة المعلومات والفضاءات المفتوحة، لم يعد هناك حراس على بوابات المعلومات، إلا كالذي يحرس بوابة بلا أسوار!.
تجاوز العالم أزمنة الستر والحجب (لا تدعه يمر).. المعلومات كائنات ضوئية من المستحيل احتجازها في الأدراج والخزن المغلقة.
فما لم تقله أنت سيقوله الآخرون، بالسياقات والألوان التي تخدم أجندتهم وتضر بسمعتك.
وما لا يسمعه المواطن منك، سيتكرم به الآخرون كذلك، وسيتركون لك فقط حق الملاحقة اللاهثة بالنفي والتعليق والتعامل الخاسر مع المترتبات.
مع أجواء الحديث عن الحريات والحوار، ستكون الحكومة قد أحدثت اختراقاً مهماً، إذا استطاعت أن تحرر سلعة النقد من القيود، لتصبح بضاعة متاحة في الإعلام الداخلي: الفضائيات والإذاعات، حتى لا يلجأ المواطنون إلى إذاعات أو مواقع إسفيرية، تقدم معلومات ملوثة، وحتى لا يصبح نموذج الأستاذ الرائع/حسين خوجلي استثناءً، يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني