كنكشة وكندشة:
كانت الطائرة تشبه قدوم السنبرية (طويلة ورقيقة) أما من الداخل فشكلها وبصّات البراري (واحد)، لو فردت ذراعيك للمست طرفيها .. لعلنا إبليس منعا للبطر واتخذنا مجالسنا، إلا أن ضيق المسافة الفاصلة بين صفوف المقاعد تآمرت لتجبر طوال القامة الزي حلاتي لـ (المزالفة) والجلوس (سيّافي) ..
بعد الإقلاع جاءنا صوت المايكروفون يحثنا على شراء الوجبات والمشروبات التي سيمر بها المضيفين فـ (ضربنا أضان الجلد) وعمدنا إلى كيس زوادتنا (كيّة للمابينا)، ولكن سرعان ما بدأنا في لحس التوبة عندما انخفضت درجة الحرارة نتيجة التكييف العالي، والتي زادها الشبع وشراب البارد سوء فتحولنا لـ داندرمة .. اشتكى العيال من شدة البرد والنعاس فطلبت من المضيف:
يا ود أمي جيب لينا بطانية.
طبعا قلتها بالانجليزي يا مرسي فقد كان من ذوي العيون الزرقاء ، ولكنه اعتذر بأنه لا توجد لديهم بطاطين .. عاد يا أولاد أمي ده كلام ؟!!
كان في داعي لـ (الفلهمة وغز الكوع الفي الجوع)؟ جايبين طاقم الضيافة من أولاد جون، وطيارة كاملة ما فيها ولو مفرش نغطي بيهو العيال اليبسوا يباس ديل؟
غايتو ما خاتي النمل .. لكن خاتي الوقع في !!
نوم الديك في الحبل:
علمت لاحقا أن تلك النوعية من شركات الطيران يميل لاستخدامها التجار بين (دبي الخرطوم)، فلا حوجة لهم في راحة أو رفاهية، بقدر حاجتهم لتقليل تكاليف السفر لزيادة الأرباح وهذا ما تيقنت منه عندما غادرت مقعدي لمرافقة العيال للحمام في نهاية الطائرة، فقد فوجئنا بتعالي شخير يتردد صداه بين جنبي الطائرة، وعندما تلفت بحثا عن مصدره وجدت كمية من الجلابة قد استغلوا خلو المقاعد الخلفية لرفع مساند الأيدي التي تفصل بينها والتمدد لضرب الشاخورة في استرخاء، رغم صعوبة النوم في تلك المقاعد الضيقة الذي يشبه نوم الديك في الحبل.. غايتو آمنتا إنو الرجال ديل قلوبهم ميتة، والواحد فيهم ممكن ينوم وهو واقف علي طولوا !!
السلام سنة والرد فرض:
كثيرا ما أحمد الله لأني ورثت عن أبي خصلة إفشاء السلام التي حض عليها الإسلام، فقد كنت استعجب عندما أخرج في صحبته من أنه لا يسأم ولا يمل من رفع يده وإلقاء تحية الإسلام مبتسما على كل من نلقى .. الراكبين والراجلين وحتى الجالسين على جانبي الطريق، لا يحول بينه وبين ذلك الاستعجال أو زحمة السير ساعة الذروة، لذلك كثيرا ما أضبط نفسي وأنا في حالة مقابضة شديدة للسلام كلما غادرت البيت مشيا على القدمين .. طبعا بسالم النسوان وبس لكن برد السلام ولو سرا على كل البسالمني ..
ما علينا فلم أحكي عن ذلك إلا من أجل أن أتطرق لظاهرة حيرت شاويشي، فكلما التقيت بسودانيات أثناء حركتنا في أبو ظبي، أصابتني حالة (عارمة) من الفرح زي ما أكون غايبة عن بلدي سنين، فأسرع لمطايبتهم ومسالمتهم في حبور إلى أن زجرتني شقيقتي قائلة:
هوي انتي ها .. شابكانا مقابضة وسلامات من طرف .. يختي ناس أبو ظبي بعاينوا لبعض بي قعر عينهم ومافي سودانية بتسلم ليها على واحدة ما بتعرفا !!
تحير شاويشي تاااني وسألتها في استنكار:
لشنو؟ أنا غايتو بسلم عليهن بالقوة.
ومازلت مقيمة على عهدي، وأصر إلحاحا على المقابضة يمين وشمال كلما غادرنا الشقة، حتى أعيد نساوين أبوظبي إلى صوابهن ويطرن محنة أهلن.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com